أقدم رئيس الحكومة الاسبانية بيدرو سانشيز بوم 10 يوليوز 2021 على تعديلات في تشكيلته الوزارية ، حيث كانت صاحبة الحقيبة الدبلوماسية ارنشا غونزاليس لايا التي نزلت على رأسها مطرقة الاطاحة ، أبرز الخارجين من الباب الضيق !! .
السيدة (لايا ) راكمت مجموعة من المواقف العدائية والشخصية اتجاه المغرب ولم تتردد في ممارسة الاستفزاز له وإظهار التعالي دونً أن تراعي فبل كل شيء المصالح العليا لاسبانيا نفسها و المصالح الموضوعية المشتركة بين البلدين المحكومين بعوامل التاريخ و الجوار الجغرافي .
قبل ان تتورط المسؤولة الاولى عن الدبلوماسية الاسبانية في فضيحة ابراهيم غالي وتدخل في تكالب مكشوف مع كابرانات الجزائر ، سبق لها ان رفعت صوتها بالصراخ ، موظفة لهجة تنأى عن الكياسة والاعراف الدبلوماسية , عندما اقدمت المملكة المغربية بكل شجاعة على تنزيل قرار يقضي بترسيم حدودها البحرية الجنوبية ومصادقة البرلمان المغربي عليه .
. هذا التصعيد السياسي لحكومة مدريد ازداد ارتفاعا في النبرة والوتيرة بعد اعلان البيت الابيض في عهد الرئيس ترامب عن اعترافه بسيادة المغرب على صحرائه ، الامر الذي جعل الاسبان يفقدون البوصلة بشكل محموم وينقلبون على مواثيق الشراكة الموقعة بين البلدين ، لسبب بسيط أنهم كانوا دوما في قرارة انفسهم لا يريدون لملف الصحراء المغربية ان يتزحزح قيد أنملة و يخططون بان يبقى جامدا أطول مدة ممكنة داخل ثلاجة الزمن والتسويف !!
في تلك المرحلة المتزامنة مع الاعتراف الامريكي التاريخي المعلن عنه في 20 دجنبر 2021 ، وفي خطوة غير مفهومة اقدمت الجارة الايبيرية على تأجيل القمة المشتركة مع المغرب ، وكأنها مازالت لمً تتخل عن اطماعها المتعلقة بمناطقنا الجنوبية , وكأن قرار ترامب المفاجئ لدبلوماسيتها المتباكية وأجهزتها الموازية كان كأفعى لدغتها على حين غرة !!
كان واضحا ان مدريد بقيادة ( لايا ) المتعصبة رأت في الخطوة الأمريكية ضربة صاعقة ورادعة لاي تحركات مناوئة للمغرب ، و كانت تخشى ما تخشاه أن يحذو حذو البيت الابيض دول اخرى ، بل اتضح بعد سقوط قناع الشراكة والصداقة ، ان مدريد لم تدخر جهدا في السر والعلن ، بتآمر مع حكام الجزائر المتهالكين ، من اجل محاولة تعطيل مسيرة المغرب نحو الازدهار والتنمية الشاملة .
واليوم كيف يمكن ان نقرأ هذا التغيير على رأس هرم الخارجية الاسبانية بعد سقوط الوزيرة في سرداب النسيان ؟
لتلمس بعض خيوط الجواب ، ينبغي الاحاطة بالمعطيات التالية :
— عينت الوزيرة ( لايا ) — 52 سنة — كوزيرة للخارجية في 13 يناير 2020 من طرف بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الذي يمثل الحزب الاشتراكي العمالي ( اليساري ) ، ورغم انها لم تكن ذات انتماء سياسي ، فقد تم اختيارها ، وهي الاطار التكنوقراطي التي اشتغلت كمحامية في التجارة والمنافسة والدعم العمومي ثم بالمفوضية الاوروبية و المنظمة العالمية للتجارة ،. لتقود الدبلوماسية الإسبانية ، وذلك في سابقة في تاريخ التعيينات الحكومية بالجارة الايبيرية !!
— اذن الأمر يتعلق باطار عالي ذو كفاءة تقنية، لكنها لا تمتلك اي رصيد من الحنكة السياسية ، ولا تتمتع بالبروفايل المميز لقادة الدولة المجربين ، المعطى الذي يفسر كيف ان الوزيرة وقعت في فخ العساكر الذين يتحكمون في مصير الشعب الجزائري وفي فضيحة المرتزق المدعو ابراهيم غالي / بطوش ، متعمدة اخفاء الوقائع عن جارها المغرب وفرض الامر الواقع على ضباط القوات المسلحة الاسبانية وضرب عرض الحائط معارضة وزير الداخلية الاسباني فيراندو كراندي ماغلاسكا دخول الدمية الجزائرية الى التراب الاسباني .
ان ذروة العبث تمثلت في محاولة الوزيرة ( لايا ) ان تكفر عن الخطأ المذكور في وقت سابق ، فبادرت الى اشعار المملكة المغربية بمغادرة المدعو غالي لاسبانيا بعد تلقي العلاج ، وهو في حد ذاته إقرار من طرفها بارتكاب فعلة الامساك عن تبليغ المغرب بولوج المرتزق المجال الترابي الاسباني ، واعتراف ضمني بأنها تحاول إصلاح ما افسدته عند إقدامها على تجاوزات مرفوضة في حق الجار الجنوبي والشريك الاستراتيجي لها في مجالات اقتصادية وأمنية حيوية ذات أهمية بالغة !!
وللدلالة على ان العيوب في تقدير الاوضاع الجهوية والاقليمية و الدولية تأتي من طبيعة المشروع الذي حملته وزيرة الخارجية السابقة وليس في شخصها الذاتي ، نستحضر ان اطرافا داخل اسبانيا —غير المغرب —لم تكن راضية عن التصرفات السياسيةًً للسيدة ارنشا غونزاليز لايا ، من بينها الامين العام للحزب الشعبي الاسباني الذي كان من السباقين بتاريخ 2 يونيه 2021 الى كشف تجاوزات رئيسة الخارجية الاسبانية والى مطالبتها بالمغادرة : “ أعتقد ان وزيرة الخارجية يجب ان تستقيل على الفور بعد ادارتها الكارثية للازمة الدبلوماسية مع المغرب والظلامية في دخول وخروج زعيم البوليساريو التراب الاسباني، لقد تسببت في ازمة دبلوماسية من الدرجة الاولى ، كما اظهرت ان لا وزن للحكومة في السياسة الخارجية "
— المثير للانتباه يكمن في انه عقب اعادة هندسة تشكيلة الحكومة ، تم تبرير هذه الاقالة باسباب تتعلق بردود الفعل الناجمة عن قرار العفو الذي منح للمعارضين بمنطقة كاطلانيا و الى الازمة الناتجة عن التدبير الحكومي . و في هذا الصدد يأمل كثير من الملاحظين ان تكون اعادة الثقة في السيد فيرناندو كواندي كوزير للداخلية من طرف رئيس الحكومة بيدرو سانشيز من جهة ، وتعيين رئيس جديد للدبلوماسية الاسبانية من جهة اخرى ، مدخلا اساسيا لتكريس المواقف السياسية المعتدلة والمتزنة في العلاقة مع المغرب !!
__ و حسب مجموعة من الصحف الاسبانية فإن السياقات التي عجلت بتعيين خوسي مانويل الباريس في 12 يوليوز 2021 , ( 49 سنة ، عضو بالحزب الاشتراكي العمالي، والسفير السابق بباريس ) كوزير للخارجية الاسبانية ، تجعل من اولويات عمله الجديد اعطاء دينامية قوية للسياسة الخارجية و بشكل اساسي التركيز في هده المرحلة على بذل المساعي اللازمة لتفكيك الازمة مع الرباط .!!
و في هذا السياق لابد من التوقف عند الخرجة الاعلامية للوزير الجديد الاسباني بتاريخ 12 يوليوز 2021 ، والتي وصف من خلالها المغرب بالصديق العظيم ، الامر الذي اعتبره بعض الملاحظين مؤشرا للتأسيس لانطلاقة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين ، حيث من المحتمل حسب التخمينات المطروحة ان يكون المغرب هو اول وجهة سفر له الى الخارج ، لتأكيد مدى حرص مدريد على احترام الثوابت المغربية الترابية والسيادية ، وتبديد التخوفات في ان يكون تغيير حاملة الحقيبة الدبلوماسية السابقة مجرد ضربة سيف في الماء ، تهدف فقط وبصفة غير مباشر ة الى امتصاص الغضب المغربي الرسمي و احتواء ردود فعل الراي العام المغربي دون ان يقع تحريك في العمق للمواقف المتصلبة والعدائية اتجاه المغرب وقضاياه .
الاكيد ان المملكة المغربية التي كانت دوما في واجهة المعارك الامنية الطاحنة لتحصين شركائه الاوروبيين — وعلى رأسهمً اسبانيا — من التهديدات والاخطار المتعددة الاشكال ، لا تضع استراتيجيتها ولا تحدد اهدافها تبعا للتشنجات الظرفية، بل تشتغل في ظل حكمة وتبصر جلالة الملك محمد السادس نصره الله ، على اساس الحوار المنفتح على الوضوح والانتصار للعقل والالتزام بالمصالح العليا المشتركة لكافة الشركاء !!