الانتخابات التشريعية بالجزائر.. موعد ضائع آخر من أجل التغيير والديمقراطية

لم تكن الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، التي دعا إليها النظام الجزائري سعيا وراء شرعية زائفة مفقودة، مجرد مهزلة، وإنما أيضا، وفق النتائج التي أسفر عنها هذا الاستحقاق، موعدا ضائعا آخر لتحقيق التغيير وإرساء الديمقراطية في بلد منغلق على ذاته أكثر من أي وقت مضى.

فهذه الانتخابات التي قاطعها الناخبون بكثافة، أسفرت عن سيناريو كارثي، كان الجزائريون يخشونه إلى حد كبير. وتميز هذا الاستحقاق، على الخصوص، بعودة الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني)، بعدما أقر الجميع بأنه يحتضر، وفقد بريقه، وو جهت له انتقادات لاذعة جراء تدبيره الكارثي لشؤون البلاد، ومسؤوليته عن المآسي التي يعاني منها الجزائريون.

وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الملاحظون، وفي أحسن الأحوال، انتصارا محتملا للوائح المستقلين، الذين شكلوا غالبية المترشحين، أو على الأقل لوائح الإسلاميين، لم يحدث شيء من ذلك.

وكشفت النتائج المؤقتة، التي تم الإعلان عنها يوم الثلاثاء، بشكل يدعو للاستغراب، عن فوز جبهة التحرير الوطني، ليبقى الوضع قائما على ما هو عليه، وتغرق البلاد في حالة من عدم اليقين.

ولأن الأغلبية الساحقة من الجزائريين تعتبر أن طبيعة وممارسات وسياسات النظام القائم، منذ سنة 1962، تسببت في خراب البلاد، فإن عودة هذا الحزب إلى الواجهة، وإن كانت عودة خجولة، تقوض أي نية للتغيير الذي تنشده القوى التقدمية.

ومن الواضح أن فوز حزب جبهة التحرير الوطني رغم تعرضه لانتقادات قوية على خلفية تواطئه مع الرئيس المطاح به، عبد العزيز بوتفليقة، الذي أجبرته حركة احتجاجية غير مسبوقة على الاستقالة سنة 2019، ينزع أي مشروعية عن المجلس الشعبي الوطني الجديد. وفقدت جبهة التحرير الوطني، التي فازت ب105 مقاعد من أصل 407 مقاعد، 50 مقعدا وتسيطر بالكاد على ربع منتخبي المجلس الجديد، وهو ما سيجبرها على الدخول في تحالف مع الأحزاب التقليدية، وخاصة التجمع الوطني الديمقراطي، والمستقلين والإسلاميين المعترف بهم.

وبذلك اعت برت هذه الانتخابات، التي سعى عبد المجيد تبون إلى تنظيمها لتمرير خارطة طريقه، عديمة الجدوى.

ففي الوقت الذي ركزت فيه الحركة الاحتجاجية تحركاتها على ضرورة التسريع برحيل رموز النظام، واجتثاث الفساد، وانسحاب الجيش من الساحة السياسية، كشرط أساسي للتغيير الجذري، تصرف النظام ضد التيار، حيث سعى إلى إدامة نظام منهك، عبر تصعيد القمع، ومضاعفة الاعتقالات التعسفية، وانتهاك الحريات. وبالإضافة إلى ضعف المشاركة، تزيد هذه النتائج في إضعاف مشروعية المجلس المقبل، الذي سيتكون تقريبا من نفس التركيبة الحزبية لسابقه.

وسيكون هذا المجلس ذكوريا، تقريبا، بما أنه تم انتخاب 34 امرأة فقط، من أصل 8 آلاف مرشح، مقابل 146 منتخبة سابقا، وذلك بسبب إلغاء نظام الكوطا، الذي تم وضعه سنة 2012.

وفضلا عن نسبة امتناع تاريخية، ت غرق هذه الانتخابات البلاد في مأزق سياسي، على خلفية ممارسة القمع على نطاق واسع. كما أن ردود فعل قوى المعارضة أجمعت على اعتبار هذه النتائج، التي لم تحمل أي مفاجأة، نتيجة طبيعية لانتخابات مغلقة جرت في مناخ من الرعب.

وت ظهر نسبة المشاركة الضعيفة جدا إلى أي حد لا يشكل هذا الاقتراع، على غرار سابقيه، حلا للأزمة، بقدر ما هو ذريعة اختارتها السلطة للحفاظ على الوضع القائم، ولتدير ظهرها للمطالب الشعبية.

وتؤكد الأرقام المعلنة يوم الثلاثاء، قصر نظر السلطات، بما أنه من بين 24 مليون ناخب مسجل، تم إحصاء 6ر5 ملايين ممن أدلوا بأصواتهم، من بينها أزيد من مليون ورقة ملغاة.

وتقدم هذه الأرقام الدليل الملموس على رد فعل الجزائريين بالامتناع المكثف عن التصويت، رفضا لسياسة الأمر الواقع التي يسعى الرئيس تبون إلى فرضها. وبينما اعتبرت السلطة الاقتراع وسيلة للخروج من الأزمة السياسية ووضع حد للمظاهرات الواسعة التي تهز البلاد منذ سنتين، فقد تحول إلى حركة تحد من قبل أغلبية الجزائريين إزاء "نظام فاسد".

ويعبر هذا الرفض المكثف عن سخط الأغلبية أمام التراجع غير المسبوق للحريات الديمقراطية، ويترجم رفض مأسسة التعسف من خلال إصلاحات على عجل تروم إخراس صوت المجتمع الجزائري.

وفي معرض تعليقه على هذه النتائج، أكد نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، سعيد صالحي، أن الأمر يتعلق "مرة أخرى بموعد ضائع من أجل التغيير والديمقراطية". وندد صالحي، في تغريدة له، بهذه النتائج، التي لم تحمل أي مفاجأة، حيث أفرزتها انتخابات مغلقة، جرت في أجواء من القمع.

وأضاف أن هذه النتائج فضحت النظام ووعوده بجزائر جديدة، والتي هي مجرد خدعة بالنسبة للجزائريين.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.