دوري أبطال أوروبا: بايرن - سان جرمان.. النبلاء القدامى في مواجهة الأثرياء الجدد

تجوز مقارنة "القوّة النارية" الرياضية والمالية بين بايرن ميونيخ الألماني وباريس سان جرمان الفرنسي قبل مواجهة الناديين الاربعاء في ذهاب دور ربع نهائي مسابقة دوري ابطال أوروبا، إلا أنهما بنيا على قاعدتين إقتصاديتين مختلفتين جذرياً، تعكسان رؤيتين لتطوير كرة القدم الأوروبية.

عندما أنفق المالكون القطريون للنادي الباريسي 400 مليون يورو في عام 2017 من أجل التعاقد في الوقت ذاته مع البرازيلي نيمار في صفقة عالمية قادماً من برشلونة الإسباني (222 مليون يورو) والمهاجم كيليان مبابي من موناكو (180 مليوناً)، إعتقد إداريو بايرن أنهم يأتون من مجرة أخرى.

حينها قال الرئيس التنفيذي للنادي كارل – هاينتس رومينيغه "ليس بايرن أو ريال مدريد أو برشلونة من ينفق هذا الكمّ من المال"، مضيفاً "وحدهما باريس (سان جرمان) ومانشستر سيتي يتجاسران على اعتماد مثل هذه السياسة. ولكن لا شيء يؤكد أن باريس سان جرمان سيفوز بدوري أبطال أوروبا...".

وبالفعل، ومن دون الكثير من القلق، لم نشاهد بايرن يتراجع للصفوف الخلفية كروياً، بسبب عدم قدرته على الإعتماد على إيرادات مالية للتعاقد مع أفضل اللاعبين.

في عام 2019، أنفق بايرن 80 مليون يورو لشراء المدافع الفرنسي لوكاس هرنانديز من أتلتيكو مدريد الاسباني، في أغلى صفقة في تاريخ النادي البافاري. ورغم عدم دخوله في سوق الإنتقالات "الجنوني"، إلا أن بايرن ما زال قادرا على مقارعة كبار أوروبا وأكبر مثال على ذلك تحقيقه سداسية تاريخية في الموسم الماضي، ابرزها دوري الابطال على حساب سان جرمان تحديدا. هو الوحيد الذي "يتنفس" من إيرادات خاصة، ومن دون أن يرهق خزينته بالديون أو أن يعتمد مصيره على ممول أجنبي.

هذا الاستقرار هو "تحفة" عمل 40 عاما لإدارة مثالية للرئيس السابق أولي هونيس، الذي بات اليوم رئيسا فخرياً.

ومن أجل أن ينجح، اعتمد الرئيس التاريخي على سنوات حقبة الثمانينيات وعلى المبادىء المقدسة للشركات الألمانية الصغيرة بعد الحرب العالمية الثانية: التحكّم بالديون، والمحافظة دائما على إحتياطي مالي من أجل درء الأزمات خلال أيام الشدّة، ما سمح لبايرن ميونيخ بتخطي الازمة التي خلفها وما زال، فيروس كورونا في أنحاء العالم من دون اضرار هيكلية.

-عام كوفيد-

وبخلاف بايرن، مرّ سان جرمان بعام 2020 صعب، بداية بسبب جائحة "كوفيد-19"، وثانياً بسبب المشاكل المالية للشركة الصينية ـ الاسبانية للنقل التلفزيوني "ميديا برو"، ما تسبب بخسائر بالملايين لأندية الدوري الفرنسي.

قدّرت شركة "ديلويت" العالمية المتخصّصة بالخدمات المالية خسائر بطل فرنسا بحوالي 95 مليون يورو في الموسم الاخير فقط، مقابل رقم أعمال وصل إلى 540 مليوناً ليتراجع النادي الباريسي من المركز الخامس للمرتبة السابعة في لائحة أغنى الاندية.

في المقابل، يحتل بايرن المركز الثالث في هذه اللائحة مع 634 مليون يورو، خلف برشلونة (715 مليونا ولكن مع ديون تقدر بحوالي 1,2 مليار) وريال مدريد (715 مليونا مع ديون تصل إلى 900 مليون يورو).

ومن أجل الخروج من الأزمة المالية، بامكان سان جرمان الاعتماد على القدرة المالية لمالكه. وبفضل الموارد القطرية، يبقى النادي قبلة جاذبة ما يمنحه الأوراق المناسبة بين يديه لوضعها على طاولة المفاوضات لتمديد عقدي نيمار ومبابي اللذين ينتهيان في عام 2022.

غير أن سان جرمان ينظر إلى آفاق أبعد، فمنذ وصول الشركة القطرية المالكة في عام 2011 إستثمر النادي في مجال التسويق، حيث يريد أن يفرض نفسه كنادي الجيل الجديد.

-100 مليون متابع-

يسعى سان جرمان لدمج كرة القدم مع "نمط الحياة" (لايف ستايل)، ولهذا الهدف دخل بشراكة مع العلامة التجارية جوردان من أجل تصميم بذاته الرياضية وإنشاء فريق "إي سبور" في آسيا.

ويتفاخر النادي الباريسي بأنه يملك أكثر من 100 مليون متابع على مواقع التواصل الإجتماعي، وتحديداً في البرازيل والصين، مقابل العدد ذاته لبايرن، بحسب ما يدعي الاخير.

وعلى غرار كرة الثلج، تزامن ارتفاع عدد المتابعين في عام 2019 مع توقيع عقد شراكة مع شركة "نايكي" الأميركية العملاقة للتجهيزات الرياضية و"أول" (علامة تجارية من مجموعة أكور)، ما يسمح للنادي الفرنسي بهدم الهوة مع كل من برشلونة وريال وبايرن.

ويبدو أن سان جرمان يسير على طريق أوروبية عبّدها قبله أولي هونيس نفسه. فقبل 40 عاما استلهم حينها المدير الشاب مما يحصل في الولايات المتحدة الأميركية من أجل تحويل شيئاً فشيئاً النادي المبني على قاعدة حرفية إلى شركة مزدهرة.

كما كان هونيس أوّل من أدرك أن إيرادات الحقوق التلفزيونية يمكن أن تكون منجماً للذهب، وانطلق في مغامرة التسويق وبيع المنتجات التي تتأتى عنها.

لقد بات "نموذج أعمال – هونيس" أمثولة الأندية الكبيرة، بما فيها الاندية المملوكة من أثرياء.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.