نهاية المواجهة الإيرانية الإسرائيلية .. دروس في القوة والتواصل والانتماء
لم تكن نهاية المواجهة المباشرة بين ايران واسرائيل التي دامت 11 يوما، مجرد وقف لإطلاق النار تم التوصل إليه بوساطة دولية، بل كانت لحظة فارقة كشفت عن مجموعة من الدروس الاستراتيجية العميقة التي ستعيد تشكيل مفاهيم الصراع في الشرق الاوسط.
فعندما انقشع غبار المعركة، لم تكن الحصيلة مجرد أهداف تم تدميرها او صواريخ تم اعتراضها، بل كانت خلاصة مركزة في ثلاثة محاور حاسمة.
الدرس الأول كان في مفهوم القوة نفسه
لقد اثبتت هذه المواجهة أن القوة في هذا العصر لم تعد تقاس فقط بحجم الترسانة العسكرية او تطورها التكنولوجي، بل بالقدرة على فرض معادلة ردع ذاتية وموثوقة.
بنت إيران، رغم عقود من الحصار، قدرة صاروخية اجبرت اسرائيل على استنزاف دفاعاتها الجوية الاكثر تطورا وكلفة في العالم، ودفعتها للاستنجاد المباشر بواشنطن.
الدرس هنا هو أن امتلاك القدرة على إيصال "الألم" الى عمق الخصم، حتى لو كان غير متكافئ تكنولوجيا، هو ما يخلق توازن الرعب ويجبر الأطراف على التفكير مرتين قبل بدء أي مواجهة. لقد انتقلت القوة من مفهوم الهيمنة الى مفهوم فرض التكلفة.
أما الدرس الثاني، فكان في ساحة التواصل والسرديات
كانت الحرب معركة شرسة لا تقل ضراوة عن ساحة الميدان. لقد رأينا كيف يمكن للتواصل السياسي المدروس ان يكون سلاحا فتاكا.
فمن جهة، حرصت إيران على تأطير كل هجوم كرد فعل مشروع على عدوان سابق، مستخدمة بيانات محسوبة وموجهة. ومن جهة أخرى، واجهت السردية الاسرائيلية تحديا كبيرا، حيث أدى تآكل خطاب "المظلومية" بسبب احداث غزة الى صعوبة حشد التعاطف الدولي بنفس الزخم المعتاد حتى من الغرب نفسه.
وفي قلب هذا، جاء استخدام الرئيس الامريكي لمنصات التواصل الاجتماعي كقناة رسمية لإدارة الأزمة واعلان نهايتها، مقدما درسا بليغا في أن من يمتلك سرعة الوصول والقدرة على صياغة الرواية اولا، يمتلك جزءا كبيرا من المعركة.
الدرس الثالث، وربما الأعمق، تجلى في قوة الانتماء الوطني
لقد فشل الرهان على تفكك الجبهة الداخلية الايرانية رغم كل الضغوط الخارجية والحملات الاعلامية التي سعت لإحداث شرخ بين الشعب والنظام، بل حدث العكس تماما.
تجلت حالة من التماسك الوطني والالتفاف حول القيادة في مواجهة الخطر الخارجيبب ان الأزمة منحت للنظام الإيراني على علاته فرصة لا تعوض . هذا يثبت ان حروب الجيل الخامس، التي تركز على استهداف وعي الشعوب وتغذية الانقسامات، تفقد الكثير من تأثيرها عندما تواجه احساسا قويا بالهوية الوطنية والسيادة.
الدرس الموجه لدول المنطقة واضح: الاستثمار الحقيقي ليس فقط في السلاح، بل في بناء الإنسان وتعزيز الجبهة الداخلية، فهي خط الدفاع الأخير الذي لا يمكن اختراقه.
في الختام، قد تكون الصواريخ قد توقفت، لكن الدروس التي أطلقتها هذه المواجهة بدأت للتو رحلتها في عقول الاستراتيجيين وصناع القرار. لقد كانت حربا قصيرة في زمنها، لكنها طويلة و عميقة في معانيها وتداعياتها.