رغم مرور سنوات على انطلاق ورش إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية في المغرب، وتأكيد التوجيهات الملكية في خطاب العرش لسنة 2020 على ضرورة هيكلتها وتحويلها إلى رافعة للتنمية، يواصل هذا الملف الحيوي تعثره وسط انتقادات برلمانية متزايدة بشأن غياب الأجندة الزمنية، وضعف الشفافية، وغياب نتائج ملموسة تبرر الجهود المبذولة.
فخلال اجتماع لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، يوم الثلاثاء 24 يونيو 2025، بحضور وزيرة الاقتصاد والمالية، وجّه عدد من النواب البرلمانيين انتقادات شديدة لمسار الإصلاح، مؤكدين أنه يعاني من تباطؤ مقلق، ويفتقر إلى الحزم السياسي اللازم لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المعلنة منذ سنوات.
نصف الطريق فقط... والإصلاح معلق
البرلماني عن الفريق الاشتراكي، حسن لشكر، أكد أن ورش الإصلاح بدأ فعلياً منذ سنة 2016 إثر تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وتلقى دفعة إضافية مع الخطاب الملكي لسنة 2020، إلا أن الحصيلة لا تزال دون التطلعات. فمن بين النصوص التشريعية والتنظيمية المطلوبة، لم يتم إنجاز سوى 42% فقط، كما لم تُحوَّل أي مؤسسة عمومية إلى شركة مساهمة حتى الآن. أما فيما يخص المؤسسات غير الفعالة، فقد تم تصفية 19 فقط من أصل 81 مبرمجة، دون وجود هيئة مركزية واضحة للتصفية.
واعتبر لشكر أن الحكومة تفتقر إلى ما وصفه بـ"الجرأة الزمنية والسياسية"، مشدداً على أن التأخر الحاصل بات يُكلّف أكثر من الإصلاح ذاته. كما نبّه إلى غياب الشفافية، خصوصاً ما يتعلق بالكلفة الإجمالية للإصلاح، وطرق تمويله، وعدم توفر أجندة دقيقة تحدد مراحل التنفيذ وتواريخه.
مؤسسات مثقلة بالديون دون مردودية اقتصادية
من جانبها، دقت البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية، إكرام الحناوي، ناقوس الخطر بشأن العجز المالي المسجل في علاقة الدولة بالمؤسسات العمومية، مشيرة إلى أن هذه المؤسسات تتلقى دعمًا سنويًا يقارب 68 مليار درهم، مقابل عائدات لا تتجاوز 18 مليار درهم، ما يخلق عجزًا صافياً يناهز 50 مليار درهم كل سنة.
وأوضحت الحناوي أن عدد المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب يبلغ 271، برقم معاملات يصل إلى 345 مليار درهم، واستثمارات تناهز 132 مليار درهم، إلا أن معظم هذه المؤسسات متمركزة في محور الرباط-الدار البيضاء، مما يُعمّق الفوارق المجالية. كما تجاوزت ديونها 300 مليار درهم، ما يشكل ضغطًا هيكليًا متزايدًا على المالية العمومية.
تأخر يهدد بتقويض الأثر التنموي
الفريق الحركي بدوره عبّر عن قلقه إزاء ما وصفه بـ"ضعف النجاعة" و"تداخل المهام" داخل المؤسسات العمومية، مؤكداً أن هذا الوضع يُفرغ الإصلاح من مضمونه. واعتبر النائب عمر الباز أن التأخر في إحداث "الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي للمؤسسات والمقاولات العمومية"، إلى جانب تعطل إعادة هيكلة بعض الأقطاب الكبرى، يشكل خطراً على الأثر التنموي المنتظر من هذا الورش.
وشدد على أن الإصلاح لا يمكن أن يقتصر على تعديل بعض القوانين أو إعادة توزيع المهام، بل يجب أن يُبنى على رؤية شمولية تعزز الحكامة والشفافية والمحاسبة، مع التزام الدولة بإعلان تقارير دورية ونتائج أداء واضحة، تُعرض أمام البرلمان والرأي العام.
ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة
أجمع النواب المشاركون في الاجتماع على أن نجاح ورش إصلاح المؤسسات العمومية لا يمكن أن يتحقق دون تفعيل حقيقي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتجفيف منابع الزبونية والمحسوبية، خصوصاً في ما يتعلق بتعيين المتصرفين المستقلين وتدبير الميزانيات.
كما طالبوا بتحديد معايير دقيقة لمراقبة الأداء، وتنزيل عقود برامج شفافة، تضمن تتبع المردودية الاقتصادية والاجتماعية لكل مؤسسة، مع احترام العدالة المجالية وتوزيع الاستثمار بشكل متوازن بين مختلف الجهات.
الإصلاح التشريعي غير كافٍ دون إرادة سياسية
في خلاصة المداخلات، اعتبر العديد من النواب أن الإصلاح الهيكلي لمؤسسات الدولة لا يمكن أن يتم فقط عبر القوانين، بل يتطلب إرادة سياسية قوية، ومتابعة صارمة للتنزيل، وإشراك حقيقي للقطاعات الوزارية المعنية، مع إشراف واضح من البرلمان لمراقبة التنفيذ والتقييم.
كما دعوا إلى مواكبة الإصلاح بتكوين وتأهيل الموارد البشرية داخل المؤسسات، والحرص على عدم الإضرار بالحقوق الاجتماعية للعاملين خلال عمليات التصفية أو التحويل، مع فتح حوار اجتماعي منظم يراعي مصلحة الجميع.
بين الطموح الملكي في تحويل المؤسسات العمومية إلى رافعة للتنمية، والواقع البطيء في التنفيذ، يجد هذا الورش نفسه في مفترق طرق حاسم. فإما أن تستدرك الحكومة التأخر بإصلاح جذري قائم على الشفافية والمحاسبة، أو يظل القطاع عبئًا مالياً وهيكليًا يُثقل كاهل الدولة، ويؤجل فرص التنمية المنشودة.