من أبرز الوزراء الفرنسيين الجدد المعروفين لدى المغاربة المحامي الشهير "إيريك دوبون موريتي" الذي أُسنِدَت له وزارة العدل في حكومة جان كاستكس الذي خلف إدوارد فيليب كرئيسٍ للوزراء، وذلك لقربه من المغرب وتوليه قضايا خاصة بالملك محمد السادس وكذا قضية النجم المغربي سعد المجرد.
«الرجل الأكثر شجاعة في فرنسا»، كما يلقبه أعداءه قبل أصدقائه، إنه المحامي الأشهر في فرنسا، إيريك دوبون موريتي Eric Dupont Moretti، لم تكن طريقه حتى وصوله إلى منصب وزير العدل الفرنسيمُعبّدة ولا مفروشة بالزهور، فطفولته كانت صعبة، غلب عليها اليتم والفقر والعوز، لا سيما خاصة بعد وفاة الوالد "جان بيير دوبون" مع بلوغ ابنه عامه الرابع، الأمر الذي دفع بوالدته "إيلينا" إلى الخروج للعمل كعاملة نظافة، من أجل توفير قوتهما اليومي وتمكين ابنها من متابعة دراسته. وكان الطفل إيريك دوبون على قدر المسؤولية وبحث عن عمل يعينه على دفع مصاريفه الدراسية، فعمل في حرف عديدة، تارة حفّار قبور وتارة عامل بناء وأخرى حمّالا لأكياس الرمل ونادلا في ملهى ليلي ومطعم متواضع وغيرها من المهن المؤقتة. ولم يضع تعب والدته هباء، فالإبن المجتهد تميّز في جميع مراحل الدراسة حتى ارتاد أفضل المدارس الفرنسية.
وعلى صعيد الحالة الاجتماعية، يعيش إريك دوبون موريتي، منذ أربعة أعوام، مع رفيقته إبنة الـ "كيبيك"، المغنية إيزابيل بولاي. وقبل هذه العلاقة، كان متزوجًا من محامية سابقة تدعى هيلين التقى بها خلال إحدى جلسات المحاكمة، وأنجبا معًا "رافاييل" البالغ من العمر اليوم 30 عاما، و"كليمنت" التي أكملت عامها السابع والعشرين.
مهنيا، استطاع إيريك دوبوند موريتي البالغ من العمر 59 عامًا، أن يصنع لنفسه اسما لامعا في أروقة القضاء الفرنسي، لا سيما بعد انتزاعه لأكثر من 145 حكما بالبراءة من محكمة الجنايات، في قضايا جدلية، حتى أُطلِقَ عليه لقب "حاصد البراءات".
كما عُرِف عن المحامي موريتي ترافعه في قضايا مثيرة للجدل ومحرّكة للرأي العام، داخل فرنسا وخارجها، خاصة وأنه لا يمانع في الدفاع عن أي نوع من المتهمين، ولو أسعفه الزمن لكان دافع عن مجرميْ الحرب "هتلر وكلاوس باربي" على حد قوله في إحدى تصريحاته السابقة.
وفي عام 2004، دافع موريتي عن روزلين غودار، الملقبة بـ "الخبازة" والمتهمة في قضية الإنتهاك الجنسي ضد الأطفال المعروفة بـ "قضية Outreau". وبعد ثلاثة عشر عاما من تلك القضية، دافع عن عبد القادر مراح، شقيق محمد مراح الذي قتل سبعة أشخاص في تولوز عام 2012.
وكان موريتي محاميَ وزير الخارجية الأسبق جورج ترون الذي وجّهت له مساعدتيْه تهمة الاغتصاب، واستطاع المحامي الشهير أن ينتزع البراءة لموكّله ويتهم السيّدتين بالرغبة في الانتقام من الوزير. لكن وزير العدل الفرنسي الجديد لم يكن محظوظا عندما ترافع عن باتريك بالكاني عمدة مدينة Levallois-Perret، المدان هو وزوجته بتهمة "غسيل الأموال" والاحتيال الضريبي، ففشل في تبرئة موكّله الذي قرر تغيير محاميه في مرحلة الاستئناف.
ونال المحامي موريتي شهرة واسعة النطاق من خلال دفاعه عن لاعب كرة القدم كريم بنزيمة، ووزير الميزانية السابق جيروم كوزاك، بالإضافة إلى كونه المحامي الخاص للقصر الملكي المغربي الذي ترافع عن قضايا تخص الملك، كما ترافع عن المغنّي لمغربي سعد المجرد المتهم في قضايا تحرش واغتصاب.
وعلى صعيد العمل السياسي، كان إريك دوبوند موريتي مشاغبا ويتعمد اتخاذ مواقف تحدث ضجة إعلامية، كرفضه لاستلام وسام جوقة الشرف عام 2013، معتبرا أن المؤسسة التي تمنحها موصومة بالمحسوبية والمحاباة بما يشابه منهج الماسونية، على حد تعبيره.
وفي خريف 2019، ظهر قرب إيريك دوبون موريتي من الرئاسة الفرنسية عندما واجه جان لوك ميلانشون زعيم حزب "فرنسا الأبيّة" الذي اتهم ضباط الشرطة باقتحام مقر حزبنه في أكتوبر 2018.
تلك الحياة الصاخبة جعلت الرجل الوجه القانوني الأبرز والأكثر شهرة في الإعلام الفرنسي. وكان من المخطط أن يقدم فقرة يومية مدتها دقيقتان ونصف على إذاعة Europe1، تم الإعلان عنها في يونيو الماضي، لكن المشروع توقّف اليوم بعد تعيين موريتي وزيرا للعدل وبات يحمل على عاتقه مشروع إصلاح منظومة العدالة من خلال الفصل النهائي للنيابة العامة عن السلطة القضائية وتفعيل مراقبتها ومساءلتها، وتقوية دور القضاء وحصانته.
وبات إيريك دوبون موريتي محط اهتمام وسائل الإعلام، حيث ظهر في لقاءات وحوارات تليفزيونية في مناسبات عديدة،
وأصدر ايريك كتابا عبارة عن سيرة ذاتية ويحمل عنوان «القاموس dictionnaire». الكتاب يأتي بلغة سهلة ليروي أحداثاً ممتعة في حياة هذا الرجل الذي يظهر مثل طود لا تهزه الريح مقتحماً لا تصده الصعاب. مظهره الصلد يخفي تحته مزيجاً إنسانياً وفنياً، يرفض تلقيبه بالمفكر المثقف، ويتمسك بكونه مجرد إنسان بسيط يعشق العدالة والفن والصيد حيث يملك مزرعة فلمنكية هي شبه محمية للصيد بالصقور ولا يتورع بالظهور في أفلام ممثلاً ذاته مترافعاً عن مجرمين خياليين.
وحين يصفون إيريك موريتي بالشجاع يحتج على ذلك الوصف قائلاً: «أنا لست شجاعاً وإنما لدي اعتقاد عميق بحرية الكلمة»، تواضع يجعله قبلة أنظار المتهمين الباحثين عن طوق نجاة، هذا الرجل القاموس المحيط في المسارب الخفية للعدالة وتحوله للقلم كوسيط لمناقشة معتقداته مع الآخر، كتاب أنيق شائق.
ووافق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تعيين إيريك وزيرا للعدل في حكومة رئيس الوزراء الجديد جان كاستكس، والتي تم الكشف عنها الإثنين. في حين اعتبر "اتحاد نقابة القضاة" هذا التعيين "إعلان حرب" ضدهم نظرا لمواقفه المتشددة حيال هيئتهم. ويبدو أن ماكرون قد أشعل نار الحرب أيضا مع جمعيات الدفاع عن النساء على خلفية تعيين جيرالد دارمانين وزيرا للداخلية رغم التحقيق الجاري بحقه بتهمة "الاغتصاب".
في مؤشر ينذر باحتقان الوضع السياسي والاجتماعي في فرنسا، اخترقت ثلاث ناشطات عاريات الصدر في منظمة "فيمن" النسوية ظهر الثلاثاء قصر الإليزيه في باريس، حيث سيعقد أول مجلس وزاري منذ الإعلان عن حكومة جان كاستكس الإثنين، ونددن بما سمينه "التمييز ضد النساء" على خلفية تعيين إيريك دوبون-موريتي وزيرا للعدل وجيرالد دارمانين وزيرا للداخلية.