الأزمة الاقتصادية تخرج اللبنانيين للاحتجاج والدعوة إلى إصلاحات هيكلية عاجلة

وحدت المطالب الاقتصادية والاجتماعية في لبنان أصوات المظاهرات الشعبية التي انطلقت منذ أول أمس في نقاط عدة بالعاصمة بيروت ومدن أخرى من البلاد، داعية إلى إصلاحات هيكلية عاجلة لتحسين الأوضاع المعيسية للبنانيين.

وقد اندلعت الاحتجاجات الشعبية التي شارك فيها اللبنانيون بمختلف انتماءاتهم وأعمارهم تعبيرا عن رفضهم لمجموعة من القرارات التي تنوي الحكومة تطبيقها وخاصة إعلانها فرض ضرائب جديدة، تطال الاتصالات عبر الإنترنت، ورسوم أخرى يقول المتظاهرون إنها ستضفي المزيد من التأزم على الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد.

وكانت التحركات الشعبية قد بدأت الخميس بعد ساعات من تأكيد وزير الاعلام جمال الجراح إقرار الحكومة فرض رسوم على القيمة المضافة (على السلع) والتي ستطبق على مرحلتين، الأولى بنسبة 2 في المائة عام 2021، و2 بالمائة إضافية عام 2022، لتصبح نسبة الضريبة الإجمالية المطبقة 15 بالمائة، مقابل 11 في المائة المطبقة حاليا على المكالمات الخاصة بالتطبيقات على الهواتف النقالة.

وشكلت هذه الاحتجاجات رسالة للمسؤولين اللبنانيين لثنيهم على القرارات التي تمس بالحياة المعيشية والمتضمنة في إطار مشروع ميزانية 2020، وتأكيدا على ضرورة التحرك الحكومي لإجراء إصلاحات للتخفيف من حدة الغضب الشعبي إزاء الواقع الاقتصادي الصعب الذي يمر منه هذا البلد.

وتأتي هذه الاحتجاجات في سياق الانشغال محليا بهاجس "الانهيار" جراء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وفي ظل سلسلة أزمات غير مسبوقة طالت كافة القطاعات العمومية والخصوصية.

وقد ظهرت الأزمة الراهنة بعد تجدد الاحتجاجات في قطاع المحروقات، مرورا بشح الدولار واحتجاج أصحاب المخابز وكيفية تعاطي السلطات مع آفة الحرائق، وصولا إلى تفجر غضب الشارع مع توجه الحكومة لفرض ضرائب غير مسبوقة تطال الاتصالات المجانية.

ودفعت هذه الأزمة العديد من اللبنانيين بالعاصمة بيروت وضواحيها كما في مختلف المناطق اللبنانية، الى الاحتجاج ورفع شعارات تطالب بالإصلاحات الفورية للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الفساد والهدر.

وعلى الرغم من إعلان وزير الاتصالات اللبناني محمد شقير، أول أمس ، التراجع عن فرض رسوم على الاتصالات الهاتفية عبر الانترنت " واتساب"، وسحب الفكرة برمتها وإسقاطها، إلا أن موجة الاحتجاجات تجددت أمس بشكل غير منتظر، حيث وصلت وللمرة الأولى منذ سنوات إلى المدخل المؤدي إلى القصر الرئاسي.

كما أن هذا الوضع المشحون دفع بمجلس الوزراء اللبناني إلى إلغاء جلسة الحكومة التي كانت مقررة أمس لبحث وضع الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أمس، وكذا تعليق وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان، الدراسة في المدارس والجامعات.

وجاءت هذه التحركات في ظل انقسام سياسي داخل الحكومة، وتباين في وجهات النظر بدءا من آلية توزيع الحصص والتعيينات الإدارية، وكيفية خفض العجز، وكذا الجدل الذي رافق ملف العلاقات السياسية مع بعض بلدان المجاورة.

وتعقيبا على هذه الأحداث، دعا رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أمس كافة القوى السياسية لدعم الاصلاحات السياسية الجارية على خلفية الاحتجاجات غير المسبوقة التي اندلعت يومي الخميس والجمعة في مختلف أرجاء البلاد.

وقال الحريري، في خطاب تلفزيوني "أمام كافة القوى والتيارات والأحزاب السياسية في البلاد 72 ساعة لإعطاء رد واضح وحاسم يفيد بوجود توافق حول مسار تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية في البلاد".

وفيما لم يكشف الحريري عن القرار الذي سيتخذه في حال انقضاء الأجل دون التوصل برد من القوى السياسية، اتهم أطرافا في الحكومة بتعطيل مساعيه للمضي بإصلاحات اقتصادية جدية سبق أن وافقوا عليها وتتيح للبنان الحصول على قروض وهبات بقيمة 11,6 مليار دولار أقرها المجتمع الدولي خلال مؤتمر "سيدر" في باريس.

وقال في هذا الصدد "الوجع انفجر في الشارع وأنا أحاول منذ ثلاث سنوات أن أعالجه وأقدم حلولا حقيقية"، مضيفا "منذ أشهر، ننتظر شركاءنا في الوطن والحكومة أن يسيروا في الحل الذي اتفقنا عليه (...) لكن لم تبق مماطلة لم يقوموا بها" منذ بدء تشكيل الحكومة الذي تطلب عدة أشهر.

وحذر الحريري من أن خصومه السياسيين يريدون أن يجعلوا منه "كبش محرقة" لعدم تمكن الحكومة حتى الآن من القيام بأي إصلاحات ممكنة.

من جانبه، عزا وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، موجة الاحتجاجات التي تشهدها بلاده إلى "تراكم أزمات"، معتبرا أن "الآتي أعظم إذا لم يتم الاستدراك".

وأضاف باسيل، في كلمة ألقاها تعليقا على المظاهرات التي يشهدها لبنان، أن الاحتجاجات تشهد "تحركات مشبوهة من جهات خارجية للعمل على إسقاط الحكومة والرئيس"، معربا عن مخاوفه من أن تؤدي الفوضى في الشارع إلى "الفتنة".

وأشار زعيم تكتل "لبنان القوي"، إلى أن الحكومة عازمة على إنقاذ الأوضاع المالية والاقتصادية، محذرا "من أن الفوضى قد تؤدي الى "الفتنة والتخريب وانهيار الدولة".

وبعد أن اعتبر أن بلاده توجد بين "الانهيار الكبير أو الإنقاذ الجريء"، طالب باسيل بتقديم حلول جذرية للمشاكل التي تعرفها البلاد، عبر إطلاق إصلاحات اقتصادية عاجلة.

وتكتسب المهلة التي حددها الحريري لشركائه في السلطة من أجل اجتراح الحل الكفيل بوقف تداعيات إحدى أخطر الازمات الداخلية التي يواجهها لبنان والتي تنتهي عمليا مساء الاثنين، طابعا مصيريا ويتوقف عليها واقعيا استشراف الوجهة التي سيسلكها لبنان.

يشار إلى أن الدين العام في لبنان يقدر بأكثر من 86 مليار دولار، أي أزيد من 150 في المائة من اجمالي الناتج المحلي، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم بعد اليابان واليونان.

وتعهد لبنان العام الماضي بإجراء إصلاحات هيكلية وخفض العجز في الميزانية العامة، مقابل حصوله على هبات وقروض بقيمة 11,6 مليار دولار أقرها مؤتمر "سيدر" الدولي .

ومع تأخر الحكومة في الايفاء بتعهداتها، أصدرت الوكالات العالمية للتصنيف الائتماني مراجعات سلبية لديون لبنان السيادية.

وأقر البرلمان في يوليوز الماضي ميزانية تقشفية للعام 2019 سعيا للحد من العجز العام، فيما تناقش الحكومة حاليا مشروع ميزانية العام 2020، وتسعى إلى توفير إيرادات جديدة لخزينة الدولة.

وشهد الاقتصاد اللبناني خلال السنوات الأخيرة تراجعا حادا ، مسجلا نموا بلغ 0,2 بالمائة السنة الماضية ، بحسب صندوق النقد الدولي.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.