الرئيس الجزائري يحدد 7 سبتمبر كتاريخ لإجراء انتخابات رئاسية قبل موعدها الرسمي...فما القصة؟
أثار قرار الرئيس الجزائري إجراء انتخابات سابقة لأوانها، الكثير من الاستغراب في الداخل الجزائري كما هو الحال في خارجها؛ وسط حير دون تقديم أي تفسيرات.
ويأتي هذا الاستغراب، بعد تقديم الانتخابات بثلاث أشهر قبل موعدها، والتي من المنتظر أن تنظم في 7 شتنبر، عوض أن تنظم انطلاقا من 19 دجنبر 2024.
ويأتي القرار الغير المبرر، بعد بلاغ صحفي مقتضب، صدر في يوم الخميس 21 من مارس، عقب ترأس عبد المجيد تبون مع كبار الدولة؛ والتي يؤتت التدافع بين جنرالاتها الموالون لفرنسا، مشهدها السياسي.
وقد ضم الاجتماع كل من رئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة؛ بحضور الوزير الأول، ورئيسي مجلسي البرلمان، ورئيس المحكمة الدستورية؛ ورئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وهو الاجتماع التي تود من خلاله الرئاسة الجزائري، أن توهم الجزائريين بأن القرار صدر وفق مقاربة تشاركية، وبشكل جماعي؛ في أفق اجتماع للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في 8 يونيو 2024.
أما بخصوص موعد الانتخابات، فإن القانون الانتخابي الجزائري في المادة 245، ينص بشكل واضح: أن الانتخابات الرئاسية تجرى قبل ثلاثين يوما من انقضاء عهدة رئيس الجمهورية.
وهي العهدة التي من المنتظر أن تنتهي يوم 19 دجنبر من السنة الجارية، بعد انقضاء عهدة عبد المجيد تبون، بعد خمس سنوات من تنصيبه منذ 2019.
واستثناء مما سطره القانون، فإن الدستور الجزائري، فتح الباب أمام إجراء انتخابات مبكرة؛ حيث اشترطت المادة 94 ثلاث حالات، متعلقة بـ"العجز الصحي" أو "الموت" أو "مانع" أو "إستقالة".
لكن البند 11 من المادة 91 من الدستور، يبيح للرئيس إمكانية إجراء انتخابات سابقة لأوانها، وهي المرجع القانون الذي استمد منه الرئيس الجزائري حجية قراره.
لم يكن هذا القرار الرئاسي الأول من نوعه، فيما يخص تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأونها؛ بل عرفت الانتخابات الجزائرية الرئاسية في سنة 1999، مشهدا مماثلا لكن بدراما مختلفة غامضة.
حين قرر الجنرال اليامين زروال بصفته رئيس الدولة بين 1994 و1999؛ إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأونها، مع إعلان عن عدم رغبته في الترشيح.
حيث تولى بعده عبد العزيز بوتفليقة رئاسة الجزائر، بعد العشرية السوداء؛ إلى أن قدم استقالته في سنة 2019، جراء ضغط الحراك الجزائري، حين سحب العسكر البساط من تحته.
غير أن القرار الحالى يبدو أكثر غموض، في ظل غياب أي مبررات أو تفسيرات؛ مما فتح شهية المراقبين، لطرح مجموعة من التأويلات، أولاها كون الحراك تم اجهاضه بحجة كورونا، وأن مطالب الحراك لم تتحقق بعد.
إذا أن النظام يحاول جس نبض الشارع، من أجل التخفيف من صدمة إعلان عهدة ثانية للرئيس الحالي الذي يبلغ من العمر 78 سنة؛ والذي يفتقر للكاريزما، على اعتباره مجرد دمية داخل اللعبة السياسية العسكرية.
فضلا عن مساهمته في تغذية العداء بين المغرب والجزائر هروبا من مطالب الحراك؛ وتقويض مستقبل الجزائر والمصالح الإقليمية من أجل الحسابات الضيقة للجنرالات، وغياب خارطة سياسية وتصور اقتصادي.
إذا أن إعلان نية تجديد عهدة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في آخر ولاية له؛ كان سببا في تفجير الحراك، واشتعال شررته، ما أدى إلى الإطاحة به نهاية المطاف.
غير أن المطلب الحقيقي للحراك، هو الإطاح بالنظام ورموزه، وهو ما لم يتحقق؛ وسرعان ما قام الجيش بتنظيم انتخابات صورية، والانقلاب على مطالب الحراك السلمي، وإجهاضه أثناء جائحة كورونا.
ومع اقتراب الانتخابات، فإن المخاوف من إعادة إثارة الحراك مجددا، باتت واردة وبشكل قوي؛ مما دفع النظام إلى القيام بهذه المناورة الممزوجة بالإثارة؛ لجس النبض وامتصاص صدمة الاعلان، وبعثرت أوراق المعارضة والحراك.
هذه المناورات لم تأتي وليدة اليوم؛ بل سبق للرئيس الجزائري أن غاب لفترة طويلة عن المشهد، من أجل العلاج في ألمانيا خلال 2020.
مما دفع الجزائريين للسؤال عن غياب الرئيس، ما أكسبه شيء من الشرعية التي يفتقر لها جراء مساهمته في الانقلاب على الحراك.
لكن هناك من يروج إلى كون القرار أصدر على وجه الاستعجال، لأسباب داخلية وطارئة، تفرض إجراء انتخابات مسبقة؛ بينما يسعى العسكر إلى إخفاء بعض الحقائق من ورائها.
خصوص وأن الإجتماع بمخرجاته كان مفاجئ، و يشوبه بعد الإرتباك، بعدما لم يعلن فيه الرئيس عن مستقبله الرئاسي، وفتح المجال أمام التكهنات.
بينما تبقى زبيدة عسول رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير، القيادية الوحيدة التي أعلنت خوضها هذا التنافس لرئاسة الجزائر؛ بينما يرى فيها مراقبين مجرد خادمة الكرسي الفارغ.
فيما يعتبر البعض أن الانتخابات المسبقة، بمثابة بعثرة لأوراق باقي المرشحين المحتملين؛ إذ يتعين عليهم النجاح في جمع توقيعات 600 مسؤول منتخب أو 75 ألف مواطن؛ وهو الشيء المستحيل، نظرا لضيق الوقت جراء تبكير الانتخابات.
لكن هناك قراءات أخرى تربط موعد الانتخابات، بتوقيت الزيارة المبرمجة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى فرنسا، من أجل مقابلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في شتنبر المقبل، بالتزامن مع أيام قليلة قبل الموعد الأصلي للانتخابات.
وهي المخاوف التي تثير حفيظة العسكر، للبحث عن تزكية فرنسية قصد الانقلاب على العسكر، في حال كان يبحث الجنرالات عن شخصية بديلة لتبون، والذي يبلغ من العمر 78 سنة.
أما الثانية التي يخشى منها النظام الجزائري بكل مكوناته، هي التملص من كون أن فرنسا تتحكم في المشهد السياسي ككل، وأن القرار الجزائري يصنع في فرنسا، وأن الرئيس الجزائري المستقبلي، ينصب من فرنسا.
فالرئيس يفضل أن يزور فرنسا كرئيس عوض أن مرشح، حتى يخفي تحكم فرنسا في الجنرالات، وفي المشهد السياسي الجزائري ككل.
كما أن تقرب كبار الدولة الجزائرية من فرنسا، يعد محاولة في تصورهم للانقلاب على الجماعة الحاكمة؛ الأمر الذي يدفع الجماعة الحاكمة، بفرض الرقابة على بعضها الب