في سياق سياسي إقليمي حساس، أثار استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للروائي المعروف رشيد بوجدرة جدلًا واسعًا وتساؤلات مشروعة حول خلفيات هذا اللقاء، خاصة أن بوجدرة سبق أن عبّر بشكل واضح سنة 2019 عن موقف يعتبر الصحراء مغربية، وهو ما يشكّل تعارضًا صريحًا مع الخطاب الرسمي الجزائري.
وفي تعليق على هذا المستجد، اعتبر الدكتور عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أن هناك عددًا من المؤشرات التي تميز شخصية بوجدرة، يمكن الاستناد إليها لفهم خلفيات خطوة الرئيس تبون وقراءتها في سياق إقليمي ودولي متغيّر.
وقال الفاتحي، في تصريح لبلبريس، إن صاحب رواية “اللعنة عليكم جميعًا” يجسد نموذجًا للرفض والتمرد على الخطابات الأصولية المتصلبة، لكنه في الوقت نفسه ينفتح على خيارات التعاون والتبادل، ويعتمد مقاربة براغماتية وواقعية يفرضها منطق المتغيرات الحتمية في أسلوب الحياة والحكم، مضيفًا أن ذلك قد يكون مؤشرًا على تجسير تغييرات مستقبلية في الممارسة السياسية الجزائرية، خاصة في علاقاتها مع دول الجوار.

وأوضح المتحدث أن بوجدرة يُعد أحد الوجوه المؤثرة في الوسط الفرنكفوني الفرنسي، وله علاقات قوية وممتدة مع جيل واسع من مثقفي فرنسا، وهو ما يفتح المجال أمام احتمال أن يكون الرئيس تبون يراهن على دور للمثقفين الجزائريين في تليين التوتر الدبلوماسي مع باريس.
وفي السياق المغاربي، لفت الفاتحي إلى أن بوجدرة عبّر سابقًا عن مواقفه المؤيدة للتطبيع المغاربي وضرورة الاعتراف بالجميل للمغاربة على دعمهم لثورة التحرير الجزائرية، مؤكدًا أن استقبال تبون له قد يكون تلميحًا بإمكانية القبول التدريجي بهذه الخطابات، وهو ما قد يمهّد، بحسب الفاتحي، إلى خطوة لاحقة تتعلق بإصدار عفو رئاسي عن بوعلام صنصال، الذي سُجن بدوره بسبب مواقفه المشابهة حول مغربية الصحراء ووجود أراضٍ مغربية ضمّتها فرنسا إلى الجزائر إبان الاستعمار.
وأشار الفاتحي إلى أن الرسالة الأهم في هذا السياق، هي الإشارة إلى نمط جديد من التعاطي السياسي مع المتغيرات المتسارعة في المنطقة، بما في ذلك ضرورة تجاوز منطق المعاندة الإيديولوجية والخطاب الراديكالي، نحو خطاب براغماتي أكثر واقعية.
كما اعتبر أن تذكير تبون، في تصريحات حديثة، بكلفة دعم جبهة البوليساريو بمليارات الدولارات، يعكس وعيًا متناميًا بضخامة الأعباء السياسية والمالية التي ترتبت عن هذا الخيار، دون أن تحقق الجزائر من ورائه أي مكاسب استراتيجية ملموسة.
وختم الفاتحي بالقول إن هذه المؤشرات مجتمعة قد تعكس بداية تبلور وعي رسمي جزائري بضرورة مراجعة المقاربة المعتمدة تجاه قضية الصحراء، في ظل تحولات دولية واضحة تميل أكثر فأكثر لصالح الموقف المغربي.