أكد خبراء اقتصاديون أن الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الواردات المغربية بنسبة 10% تندرج ضمن استراتيجية تجارية أوسع تستهدف العديد من دول العالم، وليست موجهة ضد المغرب بشكل مباشر.
"ليس إجراءً عدائيا"
اعتبر المحلل الاقتصادي إدريس الفينة، في تصريح خاص لجريدة "بلبريس"، أن تأثير هذه الرسوم الجمركية يحتاج إلى وقت لتقييمه بدقة، مشيرًا إلى أن النسب المفروضة على المغرب "أقل مما يطبقه المغرب على الولايات المتحدة".
وشدد الباحث في الشأن الاقتصادي على أن منطق هذه الرسوم ليس عدائيًا كما يروج البعض، بل يأتي كاستجابة للعجز التجاري الأمريكي الذي وصل إلى مستويات قياسية.
من جانبه، أوضح علي الغنبوري، رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، أن هذا القرار "لا يعد إجراء موجهًا ضد المغرب بشكل مباشر، وإنما يدخل في سياق استراتيجية تجارية أوسع تبناها ترامب تحت ما أسماه يوم التحرير الاقتصادي".
الميزان التجاري يميل لصالح أمريكا
وأشار الغنبوري في حديث مع ’’بلبريس’’ إلى أن المغرب لن يتأثر بشكل عميق بهذه الرسوم الجديدة، مؤكدًا أن الميزان التجاري بين الرباط وواشنطن ليس في صالح المغرب، بل إن الولايات المتحدة تحقق فائضًا واضحًا في تجارتها الثنائية مع المملكة.
وأوضح أن إجمالي حجم التجارة الثنائية في السلع بين الولايات المتحدة والمغرب بلغ في عام 2024 نحو 7.2 مليار دولار، منها 5.3 مليار دولار تمثل صادرات أمريكية نحو المغرب، مقابل 1.9 مليار دولار فقط من الصادرات المغربية نحو السوق الأمريكية، مما يعني أن الميزان التجاري يميل لصالح الولايات المتحدة بفائض بلغ 3.4 مليار دولار.
تأثيرات محتملة وفرص مستقبلية
وبخصوص التأثير العملي لهذه الرسوم، أشار الفينة إلى أن سعر منتج يشترى من موقع أمازون بخمسين درهمًا مثلًا يمكن أن يصل إلى 700 درهم بعد إضافة الرسوم والزيادات الأخرى، مما سيؤثر على قرارات المستهلكين.
ولفت إلى أن النسبة المعلن عنها هي متوسط الرسوم، حيث تصل في بعض القطاعات مثل السيارات إلى 25%، مؤكدًا أن هذا التحول سيدفع الدول الكبرى إلى إعادة تقييم مساراتها التجارية وقد يسبب ارتباكًا في الأسواق وتصدعًا في سلاسل الإمداد.
من جهته، أوضح الغنبوري أن القطاع الذي قد يتأثر نسبيًا بهذه الرسوم هو قطاع النسيج وبعض الصادرات الفلاحية، لكنه أكد أنه بالنظر إلى حجمها داخل السوق الأمريكية، فإن التأثير سيكون محدودًا على مستوى الناتج المحلي الإجمالي أو على الميزان التجاري العام للمملكة، خاصة أن معظم صادرات المغرب تتجه إلى الاتحاد الأوروبي الذي يظل الشريك التجاري الأول، بنسبة تفوق 60% من إجمالي التبادل التجاري.
"ألم اقتصادي مؤقت" وولادة نظام تجاري جديد
يعتبر ادريس الفينة أن هذا "الألم الاقتصادي المؤقت" قد يكون ثمنًا لولادة نظام تجاري عالمي جديد أكثر توازنًا، وسيؤدي إلى عودة رؤوس الأموال الأمريكية التي كانت متناثرة عبر العالم نحو الولايات المتحدة، في محاولة لإعادة تمركز الاقتصاد الأمريكي في موقع القوة المنتجة.
فيما يرى الغنبوري أن هذه التطورات ينبغي أن تدفع المغرب إلى التفكير بجدية في إعادة هيكلة سياسته التجارية الخارجية، من خلال توسيع قاعدة الأسواق المستهدفة، وتنويع الشركاء الاستراتيجيين، وتعزيز قدراته التفاوضية في الاتفاقيات التجارية الثنائية ومتعددة الأطراف.
وأضاف أن "الفرصة مواتية للمغرب لتقوية سلاسل القيمة الوطنية وتحسين الإنتاج المحلي الموجه للتصدير، خاصة في القطاعات التكنولوجية والفلاحية والمناولة الصناعية، مع التركيز على الجودة والابتكار للرفع من تنافسية المنتوج المغربي عالميًا".
العلاقات المغربية-الأمريكية "قوية واستراتيجية"
وتعليقًا على قرار الولايات المتحدة الأمريكية، أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى بايتاس، أن "العلاقات بين المملكة المغربية والولايات المتحدة تظل قوية واستراتيجية، وتحظى بمتانة متعددة الأبعاد".
وشدد بايتاس على أن المغرب يعد الدولة الوحيدة التي تربطها اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة، مما يجعل هذا الاتفاق حجر الزاوية في تعزيز العلاقات بين البلدين، وهو ما يضع المملكة في موقع مميز مقارنة مع دول أخرى في إفريقيا.
يُذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن الأربعاء 2 ابريل 2025 عن فرض رسوم جمركية على العديد من دول العالم، ووصف هذا اليوم بأنه "يوم ولادة الصناعة الأمريكية من جديد" و"يوم التحرير"، مؤكدًا أن هذه الإجراءات تأتي ردًا على ما اعتبره "سرقة ونهب" لثروات الولايات المتحدة على مدى عقود.