رغم كل التقلبات التي عرفتها الاقتصادات العالمية خلال سنة 2018، والتي لم يسلم منها الاقتصاد الوطني، تكشف جل التصنيفات الدولية والوطنية التي شملت مختلف مؤشرات أداء الاقتصادي المغربي، تربعه قاريا على المستثمرين الأفارقة. إذ صنف تقرير بنك "راند ميرشانت" المغرب في الرتبة الثالثة من بين أفضل البلدان بالقارة السمراء التي يمكن الاستثمار بها خلال 2019.
ووفق المعطيات الرسمية التي جاء بها آخر تقرير للبنك الدولي، حل المغرب اقتصاديا لأول مرة في المركز الستين من أصل 190 دولة في ممارسة الأعمال، مقابل تصنيفه في المرتبة الثانية في نفس المجال على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بالاضافة إلى محافظة الاقتصاد الوطني على مركزه الثالث في ممارسة الأعمال وراء كل من جزر موريس ورواندا، وفق التقرير ذاته.
تطور الصادرات
وحسب تقارير مكتب الصرف سجلت الصادرات المغربية نموا بنسبة 9.7 % وسجل قطاع السيارات زيادة تقدر ب 5,72 مليار درهم، وتسجيل قطاع الفوسفاط ومشتقاته زيادةتقدر ب 5,3 مليار درهم، وزيادة تقدر ب 3,06 مليار درهم بالنسبة لقطاع الفلاحة والصناعات الغذائية. فيما ارتفعت الواردات المغربية، تشير معطيات المكتب، بـ 35.36 مليار درهم مقارنة بالصادرات (زائد 22.08 مليار درهم) واستقرار نسبة تغطية الصادرات للواردات عند 57,2 % ما بين يناير ونونبر 2018، مقابل 56,7 % قبل سنة. وتؤكد تفاقم العجز التجاري بنسبة 7,7 % إلى حوالي 186,36 مليار درهم متم شهر نونبر 2018 مقابل 173,08 مليار درهم خلال نفس الفترة من 2017، وفق المصادر ذاتها.
وعلى مستوى الناتج الداخلي الخام، سجلت نسبة المديونية العامة ارتفاعا من 82 % في سنة 2017 إلى 82.6 و82.9 في المائة خلال 2018 و2019 على التوالي. فيما يرتقب أن تسجيل نمو للقيمة المضافة غير الفلاحية بشكل طفيف من 2.8 في المائة في سنة 2017 إلى 3.1 و3.2 في المائة في 2018 و2019 على التوالي، حسب دراسات المندوبية السامية للتخطيط.
إنتاج الحبوب يسجل أفضل أداء منذ 2008
وفي المجال الفلاحي سجل الموسم الفلاحي 2017-2018 نتائج استثنائية فاقت بكثير الأهداف المسطرة، فعلى مستوى الحبوب تم تسجيل إرتفاع الإنتاج خلال سنة 2018 إلى 103 مليون قنطار وهو ثالث أفضل أداء منذ 2008. بالإضافة إلى تحقيق مردودية متوسطة قياسية بلغت 23 قنطار للهكتار بالنسبة لزراعات الحبوب، وتسجيل إرتفاع المردودية المتوسطة بـ 27 في المائة مقارنة مع الموسم السابق.
وفي السياق ذاته، تشير أرقام المندوبية السامية للتخطيط بعض المؤشرات التي تظهر الأداء الجيد للفلاحة في 2018 من قبيل إرتفاع الناتج الداخلي الخام للقطاع الذي بلغ 125 مليار درهم، وزيادة القيمة المضافة الفلاحية بـ 3,6 في المائة.
السياحة: إرتفاع إستقطاب السياح وليالي المبيت
وأكدت معطيات مرصد السياحة ارتفاع استقطاب السياح ب 10.5 مليون سائح بارتفاع نسبته 8 % في 2017، وارتفاع عدد السياح الأجانب بـ 14 %، وارتفاع إجمالي عدد ليالي المبيت ب 9 % بالمؤسسات السياحية المصنفة، بالاضافة إلى هيمنة مراكش وأكادير لوحدهما على 60 % من ليالي المبيت.
وبشأن الاستثمارات الأجنبية بالمغرب خلال السنة المنصرمة 2018، سجلت تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة نحو المغرب، يفيد مكتب الصرف، ارتفاعا يقدر ب 36,7 % مقابل ارتفاع المداخيل بزيادة وصلت 11,48 مليار درهم، مقارنة بالنفقات التي حددت فيزيادة وصلت 2,93 في المائة. بالاضافة إلى حجم إيرادات مغاربة العالم التي وصلت إلى 59,65 مليار درهم، وكذلك إنخفاض ميزان الأسفار بنسبة 1,8 في المائة بناقص 0,92 مليار درهم.
بنلامين: الاقتصاد الوطني تكبحه سيادة الريع والريع المقنن
الباحث في المالية التشاركية هشام بلامين يرى أن الاقتصاد الوطني بقي، جراء أسباب كثيرة منها ضعف التعليم وخلق القيمة المضافة ومحدودية مؤسسات الحكامة والمنافسة و أسباب من قبيل تباطؤ النمو العالمي في المعدل منذ 2008 رغم مجهودات سياسة الاقلاع منذ إدارة أوباما، دون مستوى النمو المطلوب لتقليص معدل البطالة والرفع من معدل التنمية البشرية ورفاهية المجتمع المغربي.
وقال بلامين إنه ورغم المجهودات المبذولة على مستوى الإنفاق العمومي وإعادة التوازنات المالية للدول فإن الاستثمار العمومي منذ 2016 بلغ 189 مليار درهم ومبرمج في قانون مالية 2019 مبلغ 195 مليار درهم، « وهو رقم مهول الا أن هذا النموذج محدود النتائج .. وهو ما جعل الدولة اصبحث أكبر مستثمر في البلاد وهي التي تجر الإستثمار و الحركية الاقتصادية.
رأس المال الوطني يعجز عن جر قاطرة النمو
والمغرب حاليا، يوضح الباحث في البنوك التشاركية، في نموذج كينيزي ممنهج منذ سنوات، فالقطاع الخاص ورأس المال الوطني يعجز عن جر قاطرة النمو وبالتالي الدولة مضطرة لأن تصبح المستثمر الأول في البنيات التحتية وفي الطرقات وتمويل المقاولات ودعم التصدير والصناعة كمخطط التسريع الصناعي ومخطط المغرب الأخضر ، لكن دون نتائج كبيرة على أرض الواقع. « ومن السلبيات أن المغرب وصل إلى معدل إنفاق عمومي كبير ومعدل النمو لم يصل 3 بالمائة في 2018 مثلا بعدما تجاوز بالكاد 4% في 2017. » في الوقت الذي توقعت فيه المندوبية السامية للتخطيط % 2.9 كمعدل نمو في 2018، بالرغم هذا الاستثمار العمومي الكبير وضبط التوازنات المالية لكن هذا لم ينتج النمو الاقتصادي المطلوب، وما يهم المواطنين في الأخير تقليص معدل البطالة وتعميم الثروة وزيادة معدلات التنمية البشرية » .
إعادة صياغة النمو الوطني ضرورية
وفي السياق ذاته، يؤكد أن ينبغي إعادة صياغة النموذج بشكل كامل والتفكير في نموذج جديد قوامه الديمقراطية والعدالة، يطبق فيه القانون ويضرب فيه الفساد المتحالف مع البيروقراطية الذي هو العامل الرئيسي في كون إنفاق كبير لا ينعكس على التنمية الإقتصادية .. يضيف المتحدث أنه لا بد مع التنويه ببعض المبادرات التي تعرفها بلادنا من قبيل قطاع السيارات ونقل وتوطين تكنولوجيا صناعة السيارات وكون شبكة المناولة واسعة يعطي معدل إندماج يفوق 70 بالمائة، وهو ما يتطلب نهج نفس السياسة في مجالات أخرى بدل حماية بعض القطاعات التي تكبحها سيادة الريع والريع المقنن في قطاعات متفرقة تعيش شبه احتكار و تواطئات تحد من فعالية السوق و تتسبب في ارتفاع الكلف كالعقار والمحروقات.
عشر التمويلات العقارية تأتي من التمويلات التشاركية
ومن جانب آخر يرى المصدر ذاته، أن من بين الدعامات لهذا النموذج الاقتصادي الجديد الدعامة المالية، فالأبناك والأسواق المالية باعتبارها قلب الاقتصادات المعاصرة، فأفضل ما يمكنه خلق قيمة مضافة جديدة للإقتصاد الوطني هو دعم الأبناك التشاركية، المغرب خطى خطوات مهمة جدا، ففي المجال العقاري عشر التمويلات حاليا تأتي من التمويلات التشاركية لكن ذلك غير كاف، تأخر الدوريات وانتظار السوق للتأمين التكافلي و لإشارات البنك المركزي والإرادة السياسية لدعم هذا القطاع الذي إنطلق بشكل جيد وببطء كفيل بتفادي أخطاء تجارب أخرى.. هذه الاشارات ستساهم في تقوية القطاع التشاركي وذلك سيسهم في دفع الاستهلاك الداخلي عبر عقود الدين من قبيل المرابحة و الإجارة المنتهية بالتمليك و كذلك تحريك الادخار المؤسساتي و العمومي لتمويل المالية العمومية كما جرى في الصك السيادي الذي أطلقته الحكومة مؤخرا حيث تضاعف الإكتتاب ثلاث مرات وهو ما يعكس شهية السوق لهذا الصنف من التمويلات.
مستعين: تطويرالتمويلات الصغرى يستدعي تعديل قوانينها
وفي القطاع المالي، قال حمو مستعين، المدير العام لإحدى مؤسسات التمويل الأصغر، إنه رغم مرور 20 سنة من إطلاق القروض الصغرى في المغرب، لا تزال انتظارات المهنيين من الحكومة كبيرة خاصة عليى المستوى التنظيمي والقانوني، موازة مع إدخال جمعيات القروض الصغرى الى نظام السلف البنكي. ورفع قانون المالية الجديد لسقف القروض إلى 150 الف درهم عوض 50 ألف درهم المعمول به منذ 20 سنة، وهو من بين انتظارات القطاع منذ مدة طويلة بخصوص تمويل المقاولة الصغيرة جدا، بالإضافة الي اعفاء مؤسسات القروض الصغرى من الضريبة عليى القيمة المضافة، الذي يعتبر من القرارات التي تحسب للحكومة.
التعديل القانوني سيمهنن الاستفادة من الخدمات
ومن بين هذه الانتظارات أيضا، يفيد مستعين أن مؤسسات الإئتمان والهيئات المشابهة تحتاج إلى سن قانون خاص بالجمعيات الصغيرة والمتوسطة كما هو معمول به في مختلف دول العالم، وهذا النوع من المؤسسات، التي توفر أيضا خدمات التأمين الأصغر وتحويل الأموال، تختلف من حيث الصفات القانونية لها وهو ما يعيق تطوير القطاع ويتطلب من المشرع تنويع مؤسسات السلفات الصغرى سواء كجمعيات أو مقاولات والأبناك لخلق المنافسة التي سيستفيد من الزبون وتمكينه من مهننة الاستفادة من خدمات هذه المؤسسات.
وهناك معوق آخر لدى مؤسسات التمويل الأصغر، يضيف الباحث في التمويلات الصغرى،يتعلق باستمرار لجوء هذه المؤسسات بشأن التمويل إلى الخارج وهو ما يعتبر غباء المؤسسات البنكية الوطنية التي تترك هذاالمجال للمستثمرين الأجانب ولا يستثمرون فيه رغم أنه يثبت أنه قادر على أن يفي بتعهداته . « إذ لا توجد حاليا أي مؤسسات للقروض الصغرى بالمغرب لا تستطيع تسديد إلتزاماتها في الوقت المناسب » . وهذا ما يطرح عدة علامات الاستفهام بهذا الخصوص، والوزير الجديد في الاقتصاد والمالية، الذي يعرف هذا القطاع جيدا بإمكانه إعطاء شحنة ولمسة لهذا القطاع في المستقبل، حسب تعبير المتحدث.
تطوير الحكامة مطلوب في تدبير القطاع
وأشار المصدر أن هناك قانون للتمويل الأصغر يتم إعداده حاليا وسيعرض على أنظار مجلس النواب في ربيع أو خريف 2019، والمأمول والمأمول من القانون المرتقب أن يسمح بتكتلات جمعيات صغيرة في إطار شبكات أو تجمعات ذات مصالح مشتركة، ويشجع التنافسية والشفافية والحكامة حفاظا على مصالح جميع المتدخلين وعلى رأسهم الزبناء والعاملين بالقطاع.
وعن تكييف وضعيات هذه المؤسسات مع التعديلات التشريعية التي تهم هذا القطاع، يوضح المتحدث أن هناك جميعات حاليا تفضل أن تحافظ على صفتها القانونية كجمعيات صغيرة نظرا لعمق الإمتداد في المجتمع من قبيل جمعيات توجد في مجالات ترابية محدودة. مع حفاظ القانون على حقوق زبنائها ومستخدميها.. ويدعو أيضا إلى أنه ينبغي العمل على تطوير الحكامة في تدبير هذه المؤسسات لحماية جميع المتدخلين فيها..
وأردف أن جميع الدراسات التي تنجز بخصوص هذا النوع من السلفات تفيد أن شريحة عريضة من المواطنين لا يقبلون عليها لدواعي دينية وبالتالي فمن حق هؤلاء أن يجدوا أمامهم مؤسسات تستجيب لقناعاتهم الدينية كما هو الشأن بالنسبة للبنوك التشاركية يمكن إحداث مؤسسات للسلفات الصغرى التشاركية. خاصة أن هناك حملة ذكية عالمية تهدف لحماية زبناء التمويل الأصغر تركز عليى توفير منتجات تستجيب لرغبة الزبناء متناسقة مع إيديولوجيات.