“واشنطن بوسط”: اقتصاد التهريب يلعب دورا سياسيا في دول شمال افريقيا.. والسلطات تنظمه بطريقة غير مباشرة

يتحدث عاملة الناس حول التهريب على أنه يجري تحت “رادار” سلطات دول منطقة شمال إفريقيا التي ينخرها الفساد، وقد أقامت حدودا يسهل اختراقها وتستطيع الجماعات الإرهابية استغلالها لتنفيذ أهدافها، وفق ما ذكرته صحيفة الـ”واشنطن بوست” في مقال تحليلي، أكد أن دول المنطقة تلعب دورا هاما في اقتصاد التهريب. في الأسبوع المنصرم، قامت السلطات المغربية بمصادرة 12 طن من القنب الهندي على على الحدود بين الناظور ومليلية المحتلة. وخلال العام الماضي، تمت مصادرة أزيد من 700 كيلوغرام من الكوكايين بالجزائر، وهوما ترتب عنه غضب شعبي واعتقال لشخصيات رفيعة المستوى. وتضيف الصحيفة الأمريكية الشهيرة أن “القصص الدرامية حول تهريب المخدرات دائما تطغى على أنشطة التهريب في شمال إفريقيا.. في الحقيقة، يبدو أن اقتصاد المناطق الحدودية عادة ما يُساء فهمه على نحو متزايد”.

إن دور دول شمال إفريقيا بشأن اقتصاد المناطق الحدودية لازال غير مفهوم، في حين ذهبت إلى اتخاذ حلول، بما فيها الأسوار الحدودية ومعدات المراقبة الممولة دوليا، حيث ركزت على الرفع من قدرات المراقبة ورفع تكاليف عبور الحدود، وفقا لما جاء في الـ”واشنطن بوسط”.

واستند التحليل على أزيد من 200 مقابلة أجريت مع مهربين ومسؤولين رسميين وممثلين للمجتمع المدني في الأراضي الحدودية بشمال إفريقيا، حيث أظهرت نتائج البحث أن معظم عمليات التهريب في شمال إفريقيا مُنظمة بطريقة غير مباشرة من قبل دول المنطقة.

إن معظم عمليات التهريب لا تحدث في الصحراء تحت جنح الظلام، لكنها تجري على معابر الحدود مع مشاركة نشيطة لكل من رجال الشرطة والجمارك، حسب الصحيفة الأميركية التي لمحت إلى أنه “في الوقت الذي تشكل فيه شبكات تهريب المخدرات والأسلحة خطرا على الدولة، تأخذ لها مكانا بارزا بين البضائع المهربة في المنطقة مثل البنزين واللباس والأغذية وغيرها من البضائع الاستهلاكية العادية”.

وتعد المستعمرة الاسبانية مليلية مثالا حيا على ذلك، حيث كشفت دراسات أن نصف البضائع الصادرة نحو المستعمرة يتم تهريبها إلى المغرب. توضح الصحيفة أن “الرجال والنساء المغاربة من كل الأعمار يصطفون كل يوم أمام المعبر الحدودي بالجانب الاسباني، ويتدافعون في زحام على حمل حزم ثقيلة من البضائع.. أمام أعين الشرطة الاسبانية، يشقون طريقهم ببطء عبر البوابة في اتجاه المغرب.. أثناء مرورهم على مسؤولي الجمارك المغربية يتم التعرف الرموز والأرقام على الحزم على أنها بضائع مملوكة لمهربي الجملة.. وبمجرد وصول البضائع إلى المغرب يتم تحميلها عبر شاحنات لتوزيعها للبيع عبر أنحاء البلاد”.

في حالة مماثلة، تشرح ال”واشنطن بوسط”، انه تم تهريب البنزين والسلع الاستهلاكية على مدى عقود من ليبيا إلى تونس عبر معبر “رأس جدير”، وبدلا من دفع التعريفات الجمركية على الوردات كان التجار يقمومون بدفع مبالغ غير قانونية لمسؤولي الجمارك الليبين والتونسيين. ما اعتبر في البداية مجرد فساد بسيطا هو في الحقيقة نجم عنه اتفاق غير رسمي تم مساومته من قبل المهربين المحليين وممثلي الدولة وفاعلي المجتمع المدني، وهمت هذه الاتفاقات بالضبط نوع البضائع التي يمكن تهريبها عبر المعبر وما هي المبالغ التي يجب دفعها. وأدت هذه الاتفاقات إلى انقسام بين شبكات التهريب أي بين مهربي البضائع القانونية ومهربي الأسلحة والمخدرات من جهة أخرى، وبالتالي تنظيم مستوى الرشاوى التي يجب دفعها بهدف التهريب .

إن صغر حجم معبر مليلية لا يسمح بدخول العربات ذات الحجم الكبير التي تستخدم في التهريب بمعبر راس جدير، وعلى العكس من ذلك يقوم آلاف الأشخاص المنحدرين من المناطق المحرومة اقتصاديا بالعمل كـ”حمّالين” لدى شبكات التهريب، وفق الصحيفة الامريكية، في بعض مناطق في جنوب تونس وشمال المغرب وجنوب الجزائر يعتبر التهريب مصدرا مهما للعمالة المحلية.

من بين المفارقات التي تهدف إلى تحسين الدول لحركة المرور عبر حدودها، أدت الأسوار الحدودية الجديدة إلى وضع هذا النوع من الاقتصاد على حافة الانهيار، وتقصد ال”الواشنطن بوسط” بعض أنواع التهريب المحلية التي كانت الدولة تعمل على تنظيمها فعليا.

إن التسامح مع بعض أنواع التهريب وتنظيمه سمح لدول شمال إفريقيا بتوجيه مسار العائدات نحو مجتمعات المناطق الحدودية المهمشة اقتصاديا وكذلك النخب والخدمات الأمنية المرتبطة به سياسيا. في الوقت ذاته تم إحداث دوائر انتخابية اقتصادية تحت رحمة الأجهزة الأمنية التي لها قدرة على الإطاحة بمهربين وقتما شاءت ذلك. بحسب الصحيفة الأمريكية فإن “هذا ليس عدلا وليس مناسبا للتنمية.. إلا أن اقتصاد التهريب يلعب دورا سياسيا مركزيا في المنطقة، وكثيرا ما يتم تجاهل هذا الاقتصاد الذي تهيمن على خطابه الأسلحة والمخدرات والإرهاب”.