ماذا عن سياسات أردوغان الخارجية بعد رحيل ترامب؟

لاشك أن تغير نظام السياسة الأمريكية أحدث نقطة تحوُّل على الصعيد العالمي، وبعدما بدتْ المؤشرات الآملة في انفضاض سوق الكساد وتوقف المزايدات الحمقاء التي وقع تحت وطأتها الكثير من الدول العربية، وتصاعد تحت نِيرها أنينُ شعوبها تصاعدتْ الأصوات تدوِّي مناديةً بانطفاء الضوء الأخضر أمام بعض المتآمرين على سياسات الدول، ومحاسبة المعتدين على حدودها، وكان لأردوغان النصيب الأكبر من الانتقادات المنددة بسياسته الحمقاء.
وجهت منظمات حكومية وغير حكومية في الأسابيع الأخيرة اتهامات عدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسبب ما وصفته بالسياسات التركية العدوانية لجيرانها في المنطقة.
ونظَّم "التحالف الدولي للناشرين والمنظمات المدنية" وقفة احتجاجية يوم 19 يناير أمام مقر البرلمان الأوروبي ببروكسال تنديدًا بالسياسات التركية الخارجية في ملفات عديدة كالملف السوري والعراقي والليبي والفلسطيني.
كما نددت منظمات المجتمع المدني في أوروبا بالسياسات التركية الداعمة للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها حركة حماس، والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.
وطالب المشاركون في الاحتجاجات المعارضة للرئيس التركي بفرض عقوبات على نظام حزب العدالة والتنمية، كي يتوقف عن دعم الحركات الإرهابية في فلسطين وسوريا وليبيا والصومال، وأنَّ يكفَّ يده عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
وأكد تقرير لـ "مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات" أن الإدارة الأمريكية السابقة كانت متساهلة إلى حد كبير مع تحركات أنقرة، حيث سمح الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب لتركيا بتنفيذ أجندة خارجية ذات توجه توسعي يكسوها الطابع الاستعماري، مما عزز مزاعم تركيا وأطماعها لإحكام سيطرتها على شرق البحر المتوسط، وتوسعها في القرن الإفريقي وغرب ليبيا وشمال سوريا والعراق.
وهو التقرير الذي أوصى بضرورة تعاون إدارة الرئيس الجديد جو بايدن مع الحلفاء والشركاء الإقليميين في شرق البحر المتوسط وبخاصة في مجال الطاقة، بجانب العمل مع الاتحاد الأوروبي لوضع عقوبات منسقة ضد انتهاكات تركيا للحدود البحرية لجيرانها في شرق المتوسط كاليونان وقبرص.
ويبدو أنَّ الفرص تتضاءل أمام حلم أردوغان بانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في ظل دعم نظامه الأصولي للتنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط، والتي تسلل ذئابها المنفردة الى دول أوروبا لتنفيذ عمليات إرهابية في السنوات الأخيرة.
لقد خففتْ العلاقة الودية بين أردوغان وترامب العديد من بؤر توتر كان من المحتمل ظهورها بين تركيا وأمريكا في الحقب الماضية، وخلال تلك الحقب الغابرة كانت صولات أردوغان وجولاته في العديد من الأنحاء من أجل فرض السيطرة التركية، وإحياء رغبته الحالمة بعودة الهيمنة العثمانية القديمة في ظل الطوائف المثيرة للتوتر التي يداوم أردوغان على تغذيتها سعيًا وراء تفكيك الحكومات العربية.
وعلى إثر انقلاب الموازين بعد تنصيب بايدن ورحيل صديق أردوغان وجب على أردوغان أن يقلق بشدة حيال الفترات القادمة.
ولعل غياب ترامب عن مراسم تنصيب بايدن ليكون أول رئيس أمريكي يتفادى مراسم تنصيب تاليه منذ حوالي 150 عامًا يشير إلى فروق شاسعة ستكون بين إدراتيهما، والاحتمالية الكبيرة تشير إلى أنَّ أصدقاء ترامب لن يكونوا أصدقاء بايدن.
لقد تصاعد ضعف أردوغان عبْر تصريحاته الأخيرة التي حاول خلالها استجداء الأوربيين، وإثارة تعاطفهم من أجل منحه فرصة لبداية جديدة راغبًا في انضمامه للتكتل الأوروبي.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يضحي أردوغان ببعض حلفائه من التنظيمات الإرهابية بالمنطقة من أجل تعزيز موقفه في أوروبا، أم سيداوم على قيادة التنظيمات الإرهابية بالشرق الأوسط حتى بعد رحيل دونالد ترامب الذي أعمى عينه عن تصرفات أردوغان الاستفزازية؟

د. محمد مسعود الأحبابي / باحث سياسي