الكرة في ملعب الأحزاب !

منذ خطاب الملك يوم 10 أكتوبر 2025 في افتتاح البرلمان، بدا واضحاً أن الدولة حددت المسار بصرامة: لم يعد مقبولا الاكتفاء بلغة التشخيص أو تعليق الأعذار على شماعة الإمكانيات.

 المطلوب اليوم هو تغيير العقليات، اعتماد معطيات دقيقة، واستعمال التكنولوجيا كرافعة للتدبير العمومي.

 في خطابه السامي أمام نواب الأمة، وجه الملك إصبع الاتهام إلى الذهنيات التي تعرقل الإصلاح، وذكّر الأحزاب بمسؤوليتها الجوهرية: تأطير المواطنين والاقتراب منهم باستمرار، بدل الحضور الموسمي خلال الحملات الانتخابية ثم الغياب الطويل.

بعد أيام قليلة، جاء بلاغ المجلس الوزاري بخصوص مشروع قانون مالية 2026 ليؤكد أن الدولة التقطت إشارات الشارع. 

فقد خُصص مبلغ 140 مليار درهم لقطاعي الصحة والتعليم، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المالية العمومية. لكن النقاش سرعان ما تجاوز حجم الاعتمادات المالية ليطرح السؤال الجوهري: هل تكفي الأرقام على الورق إذا لم تتغير طرق التدبير؟ المشكل في العمق ليس التمويل وحده، بل الحكامة والعقليات، وهو ما شدد عليه الخطاب الملكي بوضوح.

جيل زد الذي خرج إلى الشارع محتجا على ضعف الخدمات، هو نفسه الذي رفع العلم المغربي في سماء تشيلي يوم الأحد 19 أكتوبر 2025، حين تُوج المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة بكأس العالم. 

الرسالة هنا بالغة الدلالة، الشباب المغربي قادر على الإبداع والإنجاز حين تتاح له الفرصة والفضاء، لكنه أيضا يرفع صوته بالاحتجاج حين يرى نفس العقليات القديمة تدير الشأن العام بلا تغيير. هذا التناقض يكشف عمق اللحظة السياسية والاجتماعية التي يعيشها المغرب.

لقد تعود المغاربة، على مدى ثلاثة عقود، على خطابات حزبية تتكرر من استحقاق إلى آخر، من دون تجديد في الأفكار أو البرامج. 

هذا التكرار  ساهم في اتساع دائرة العزوف عن الفعل السياسي. صحيح أن هناك برلمانيين يواصلون العمل ويتواصلون مع الصحافة والرأي العام، لكن الغالبية لا تجيب حتى عن أسئلة الإعلام. فكيف يمكن إقناع المواطن بالجدية إذا كان ممثلوه يتجنبون التواصل مع أبسط قنوات الوساطة؟

اليوم يقف المغرب أمام لحظة مفصلية. الدولة وضعت الإطار عبر خطاب ملكي صارم وميزانية اجتماعية موسعة وتحذير واضح من البيروقراطية

الشارع  أوصل الرسالة عبر احتجاجات جيل زد وتطلعاته الواضحة. ما تبقى هو مسؤولية الأحزاب: الكرة في ملعبها، فإما أن تجدد خطابها، وتغير أسلوب عملها، وتعيد بناء الثقة مع المواطنين، أو تستمر في الحلقة المفرغة من المحاباة والريع والغياب.

 في الحالة الأولى تكسب موقعها كوسيط سياسي حقيقي، وفي الثانية ستجد نفسها خارج الزمن السياسي الجديد الذي يفرضه الواقع وتفرضه تطلعات الأجيال الصاعدة.

 

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي بلبريس وإنما عن رأي صاحبها.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *