دراسة تاريخية ترصد تحولات الأسواق بالأطلس

كشفت دراسة حديثة نشرتها مجلة “ليكسوس” التاريخية الإلكترونية عن الدور المحوري الذي لعبته الأسواق الأسبوعية في الأطلس الكبير الغربي في تشكيل النسيج الحضري والاجتماعي والاقتصادي للمغرب. واعتبرت الدراسة أن هذه الأسواق شكّلت عبر العصور ركيزة أساسية في نشأة المدن وتطور المراكز القروية، فضلاً عن كونها شاهدًا حقيقيًا على تحوّلات البلاد من نظام اجتماعي قبلي إلى نمط تدبيري حديث قائم على الجماعات الترابية.

وأوضحت الدراسة أن هذه الأسواق كانت، قبل فرض الحماية الفرنسية، تخضع بشكل كامل لسلطة القبيلة، مما يعكس الهيمنة المطلقة للنظام الاجتماعي التقليدي آنذاك. غير أن فترة الحماية شهدت تحولات عميقة في بنيتها، بفعل تدخلات الاستعمار الذي أدخل أنماطًا جديدة في التنظيم والإدارة، قلّصت من نفوذ القبائل دون أن تنهيه تمامًا. أما بعد الاستقلال، فقد عرفت هذه الأسواق تحوّلاً جذريًا، تَمثَّل في تبنّي الدولة نموذجًا جديدًا للحكامة الترابية، جعل من الجماعات المحلية الفاعل الأساسي في تدبير الشأن العام، بما في ذلك تنظيم الأسواق الأسبوعية. وقد رأت الدراسة أن هذا التحول لم يكن فقط تقنيًا أو إداريًا، بل عبّر عن رؤية سياسية هدفها تفكيك البنى التقليدية والحدّ من هيمنة القبيلة على المجال.

الدراسة صنّفت الأسواق الأسبوعية في الأطلس إلى ثلاث فئات زمنية: الأولى تشمل الأسواق العريقة التي تعود إلى ما قبل الحماية مثل سوق خميس إيموزار وسوق تمنار وجمعة آيت داود، والتي تميزت بعمقها التاريخي وقوة استقطابها؛ والثانية ظهرت بعد الاستقلال مثل أربعاء تيقي وخميس تامري، والتي نشأت في سياق توسع الدولة المركزية وإعادة تنظيم المجال القروي؛ أما الفئة الثالثة فتضم الأسواق الحديثة كأربعاء أورير واثنين إيمي نتليت، والتي تعاني في غالبيتها من ضعف النشاط الاقتصادي، بل وتوقّف بعضها عن العمل نهائيًا.

ورغم أن الأسواق الأسبوعية لا تزال تشكل نقطة محورية في الدورة الاقتصادية للمراكز القروية، إلا أنها فقدت الكثير من بريقها بفعل انتشار المحلات التجارية والدكاكين في الدواوير، مما أدى إلى تراجع الاعتماد الكلي على السوق الأسبوعي كمصدر رئيسي للتزود بالسلع والخدمات. ومع ذلك، تظل هذه الأسواق مناسبة حيوية لتنشيط الاقتصاد المحلي وتسويق المنتجات الفلاحية والحرفية، خاصة في المناطق التي تعرف ركودًا اقتصاديًا خلال باقي أيام الأسبوع.

وترى الدراسة أن هذه المنظومة تواجه اليوم تحديات جمة تهدد استمراريتها، أبرزها هشاشة البنية التحتية، ونقص المرافق الأساسية مثل المراحيض وأماكن التخزين، فضلاً عن تدهور الطرق وغياب وسائل نقل كافية، ما يؤثر سلبًا على استقطاب الزبائن وتجار الجملة. وفي هذا السياق، تؤكد الدراسة أن إعادة الاعتبار لهذه الأسواق يتطلب رؤية تنموية واضحة تراعي الخصوصيات المجالية، وتعتمد على دعم الجماعات الترابية وتعزيز استثمارات الدولة في البنيات الأساسية.

وفي ختامها، شددت الدراسة على أن الأسواق الأسبوعية بالأطلس الكبير الغربي تظل عنصرًا حيويًا في تنظيم المجال وتنشيط الاقتصاد المحلي، لكنها بحاجة إلى تدخلات ملموسة تعيد لها دورها التاريخي في خدمة الساكنة القروية وضمان توازنات التنمية المجالية.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *