رغم التحديات المناخية والاعتماد المستمر على تصدير المواد الخام، يواصل الاقتصاد المغربي تحقيق تحول نوعي نحو قطاعات أكثر حداثة، وفق ما كشفه تقرير حديث صادر عن موسوعة “بريتانيكا” الأمريكية، بتاريخ 16 أكتوبر الجاري.
التقرير أشار إلى أن قطاعات مثل السياحة والاتصالات باتت تشكل أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، وهو مؤشر على تحوّل بنيوي في طبيعة الاقتصاد الوطني، رغم أن هذه القطاعات لا تستوعب سوى ثلث اليد العاملة فقط، ما يعكس اختلالاً واضحًا بين النمو الاقتصادي وقدرته على خلق فرص الشغل، خاصة في صفوف الشباب.
ويرجع هذا التحول إلى الإصلاحات الاقتصادية الكبرى التي باشرتها المملكة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، بدعم من مؤسسات مالية دولية، حيث شملت عمليات خصخصة واسعة وإعادة هيكلة مالية ونقدية، إلى جانب إطلاق صندوق لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة سنة 1999.
وفي المجال الفلاحي، ورغم المؤهلات الطبيعية التي يتمتع بها المغرب من أراضٍ خصبة ومناخ متوسطي ملائم، لا يزال الجفاف المتكرر يشكل عائقًا رئيسيًا أمام تحقيق الاكتفاء الذاتي. وتبقى الحبوب والحمضيات والخضروات من أبرز المنتجات، بينما بدأت زراعات جديدة كالشاي وفول الصويا في الظهور، خاصة في مناطق مثل سهل الغرب.
قطاع التعدين يظل أحد أعمدة الاقتصاد الوطني بفضل احتياطي الفوسفات الضخم الذي يمثل حوالي ثلثي الاحتياط العالمي، لكن تقلّب الأسعار في السوق الدولية يحد من العائدات. وبالرغم من تطوير الطاقة الكهرومائية والموارد المائية، لا يزال المغرب يعتمد على واردات النفط لتلبية معظم احتياجاته الطاقية.
أما الصناعة، فتعرف نمواً متواصلاً، وتشمل الصناعات التحويلية والنسيج والأسمدة والمواد الغذائية، وتُعدّ مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة، إلى جانب السياحة التي تحوّلت إلى رافعة اقتصادية رئيسية، بفضل التنوع الطبيعي والثقافي الذي تزخر به المملكة. وقد أولت الحكومة هذا القطاع اهتمامًا كبيرًا عبر تسهيلات ضريبية واستثمارية منذ الثمانينيات.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا يزال النمو الاقتصادي المغربي يواجه تحديات اجتماعية معقدة، في مقدمتها ارتفاع معدلات البطالة، خاصة في صفوف الشباب وخريجي الجامعات، ما يؤكد أن التحول الاقتصادي لا يكتمل دون تحقيق عدالة اجتماعية وتوزيع أكثر إنصافًا لثمار التنمية.