أبلاضي: لماذا تقبل الأحزاب السياسية الوطنية بأشباه السياسيين؟

مرَّت عشرة أيام على تقديم استقالتي من العمل الحزبي و لازلت أضرب أخماسا في أسداس و أقول لماذا تقبل الأحزاب السياسية الوطنية بأشباه السياسيين و تفتح لهم الأبواب المشرعة و تسمح لهم بكل سهولة تولي المسؤولية في الهيئات المركزية ..؟!!!!
لماذا كل هذا التساهل في منح الثقة لمن سيقرر لاحقا في مصير الحزب خلال مرحلة قادمة و مصير المواطنين من خلال التمثيلية السياسية..!!
هل هان علينا حزبنا الذي نشأنا فيه إلى هذه الدرجة حتى أضحى يتسلق عبره العابثون من منصب إلى آخر..؟!!
هل أضحى التسلق السريع في التنظيم الحزبي حرفة من لا حرفة له؟!! هل بات الانتماء للأحزاب و الصعود الصاروخي في تنظيماتها غاية تفضح طموحات الانتهازيين..؟!!!
الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية كانت ولازالت هيئة لها رمزيتها و مكانتها التنظيمية.. و العضوية فيها تكون بالرصيد النضالي المشرف و بالكفاءة السياسية المقدرة والقدرة على تأطير المناضلين وتكوينهم و السعي من أجل توحيد الصف الداخلي واستقرار التنظيم الحزبي مع الاحتفاظ بمنسوب حرية الرأي والتعبير و تملك قدر كاف من المسؤولية وكلها أمور لا تتأتى الا لصاحب "كاريزما"خاصة ، يوافق قوله فعله ، صاحب خط نضالي مشهود له بالمصداقية و الكفاءة والنزاهة والشفافية ..
كنت دائما أنظر إلى الانسحاب بكونه قرار جبان و أن الإقدام على الإستقالة موقف يعبر عن ضعف وخذلان و كنت اعتبر سياسة المقعد الفارغ هو هدية ثمينة لأعداء النجاح..
هل ذنبنا اننا رفضنا أن نكون مجرد أرقام عابرة في تنظيماتنا الحزبية ؟!!
هل ندفع ضريبة صمودنا أمام كل أساليب التركيع والتدجين التي تريد تحويل السياسيين الى مجرد كائنات سياسية لا تهش ولا تنش يتم شراء ولاءها ؟!! هل هذا جزاء الوفاء للقيم السياسية والإخلاص للقناعات والمبادئ الخلاقة ؟!!!.
لماذا تحتقر الأحزاب مناضليها الذين قاوموا العبث؟!!لماذا ينظر إلى الصادقين المخلصين أنهم ساذجين أغبياء..؟!!
مرت 25 سنة من العمل السياسي ومعظمها ذهبت في مقاومة العبث والابتذال الذي ألحقته بعض الكائنات السياسية للعمل السياسي و الحزبي غايتها إفراغ هذا الأخير من جديته ومضمونه..
مرت 25 سنة و أتذكر كيف كانت البداية وكيف كانت تجربة الانتماء؟!!!
انتميت لهذا المشروع صيف سنة 1992 متأثرين حينها بما يقع للمسلمين بالبوسنة والهرسك من إبادة حضارية وعرقية ونحن تلاميذ في المرحلة الإعدادية ..والبداية مع حركة التوحيد والإصلاح ..
انخرطنا في العمل الشبابي في المرحلة الثانوية وما يقتضي ذلك من الانتماء لنوادي القراءة و تنظيم ندوات ومحاضرات فكرية وثقافية ومعارض للكتاب ومجلات حائطية وأمسيات ثقافية ومناظرات وسجالات بين مشارب فكرية من اليسار و توجهات أخرى لا نعرف من اي منبع تمتح
كانت مرحلة انعشت صحراء فكرنا القاحلة بالكثير من البحث عن أجوبة لأسئلة حارقة وملحة.. كنا ذلك الجيل من الشباب الذي يتوق لتسمو تطلعاته إلى الأفضل خاصة وأننا ننتمي لمنطقة جغرافية غير مستقرة سياسيا و على أرضها إلى عهد قريب كانت معارك طاحنة بين المغرب وجبهة البوليساريو و ذاكرتنا الصغيرة لازالت تحتفظ بمشاهد المداهمات و ضحايا الألغام ومرور المدرعات و تهجير العائلات قسرا إلى الضفة الأخرى.. باختصار شديد يصعب الانتماء الجمعوي والسياسي في منطقة يعرضك للكثير من الشبهات ويجعلك دائما على قائمة المشكوك في أمرهم و يتعرض محيطك العائلي للكثير من المضايقات...أما أصدقاؤك و أقاربك ومعارفك تساورهم الكثير من الأسئلة حول التحول المفاجئ الذي طرأ لك ..!!
بعضهم يعتزلونك و بعضهم وهم قليل يحاول التقرب إليك لفهم ما يدور بخلدك و طائفة أخرى تنسج حولك الروايات الخيالية ويقومون بترهيب والديك ..أما بعض أساتذتنا الأجلاء منعونا من دخول حصصهم الدراسية بسبب قطعة قماش على رأسنا و قليل منهم احترم اختياراتنا..
انطلقنا إلى المرحلة الجامعية و تنتابنا سعادة غامرة وشوق لأجواء الجامعة التي سمعنا عنها ونحن تلاميذ ..بكلية الحقوق شاركنا في كل المحطات والنقاشات وتوسعت في المرحلة الطلابية مداركنا و اهتماماتنا و سعدنا لأننا في فضاء أرحب و اكبر ومع كل مرحلة جديدة تكبر نقاشاتنا و تكبر طموحاتنا من أجل مستقبل مشرق و وطن افضل يسع أبناءه جميعا ..لا ننكر أننا بالغنا كثيرا في احلامنا وتصوراتنا للعمل من أجل مجتمع تذوب فيه الخلافات وتكون مصلحة الوطن فوق كل المصالح ..وطن يكون العدل فيه أسمى القيم وكرامة المواطن فوق كل الاعتبارات..
وخلال هذه الظرفية الحساسة من مسارنا الدراسي بالجامعة قررنا الإنخراط في العمل السياسي ودخلنا لحزب العدالة والتنمية من بابه الواسع ومن بوابة شبيبة العدالة والتنمية ووجدنا في السياسة حرية أكبر لطرح كبريات المواضيع والمناقشات خاصة في العمل الشبيبي حيث تتحرر قيود الفكر أكثر و يكون النقاش أكثر جرأة..
خلال المرحلة الجامعية الحبلى بالمغامرات والمناكفات شاركنا في مسيرات طلابية تندد بحصار العراق وسياسة النفط مقابل الغذاء و مسيرات بالمئات مساندة للشعب الفلسطيني في قضاياه العادلة..
ناضلنا من أجل حقوق الطلبة (السكن الجامعي ، المنحة، النقل..)
وكانت هذه البدايات هي التمرين الحقيقي الذي يختبر قدرتنا على الصمود و تحديد القناعات والمسارات المستقبلية لاختياراتنا في المجتمع ..
انخرطنا في العمل السياسي إيمانا منا باهميته في عملية التغيير نحو الافضل من جلب للحقوق و تحقيقا للتنمية واستجابة لمطلب الديموقراطية ..و قدر لنا ان نزرع بذرة هذا العمل الى جانب آخرين معدودين على رؤوس الأصابع لاكثر من عقدين من الزمن في منطقة تئن تحت وطأة التصحر السياسي والغلبة فيها لمن يتملق ويتملق ويتملق...ومع ذلك راكمنا تجربة لابأس بها كانت دافعا لنا لتمثيل الساكنة في المجالس المنتخبة ..و كانت بداية الحرب الحقيقية مع قوى تفتقد لابسط شروط المصداقية والمشروعية في المنطقة حيزت لها صناديق الاقتراع الى عقر دارها دون اعتبار لاختيارات المواطن.. ومع ذلك لم نأبه لسفينتهم الكبيرة مقابل زورقنا الصغير الذي يصارع أمواج السياسة العاثية..وصمد الزورق الصغير امام ضربات قراصنة الثروة والسلطة..ورفعت في حقنا دعاوى قضائية وشكاوى للسلطة و كتبت عنا تقارير سوداء باقلام الزور والبهتان بل اكثر من ذلك تلقينا تهديدات بالاعتداء داخل المجالس المنتخبة وواجهنا عنتريتهم بكشف الزيف و ابداء الحقيقة للمواطن.. وواجهنا اكاذيبهم في احايين كثيرة بالصمت والعمل..
لكن الغريب انه في الوقت الذي كنا نخشى فيه هجومات اقطاعيي الريع والسياسة وقراصنة الاستبداد فإذا زورقنا الصغير تتسلل اليه المياه ببطء دون حاجة لهجوم او اعتداء والفاعل كان من المندسين الذين اغرقونا شعارات وكلام معسول حول الديموقراطية و احلام التغيير.... وهم الذين ساقتهم امواج المواقع والمناصب مع سنة 2011 ليتصدروا المشهد ويتركوا المعارك الحقيقية مع قوى الفساد والاستبداد وينشغلوا بنصب المقصلة للمختلفين معهم...
والمضحك المبكي أن اقلام اهل الدار وما يكتبون غدت أشد فتكا من رصاص الخصوم
عشرة أيام مرت على تقديم استقالتي من العمل الحزبي
و لازلت لا أصدق أن عقدين ونصف من الزمن مرت كأنها لم تكن..
سنوات ونحن نحارب تمييع المشهد السياسي وابتذاله..و نقاوم اختطاف الحزب و تهريبه والتسول باسمه و ناضلنا ضدا على اختراقه..و صمدنا في وجه الفساد والاستبداد ورموزه و منعنا التحالف معهم والتقرب إليهم لغاية في نفس الانتهازيين .. رفضنا اسلوب البهرجة والفلكلور الذي ألصق بالعمل السياسي بالصحراء ..و حاربنا أساليب الاغتناء والانتفاع والاسترزاق باسم الانتماء للأحزاب و فضحنا كل أشكال الاختباء وراء فزاعة مشكل الصحراء ووقفنا سدا منيعا أمام ترهيب الناس و تخويفهم وتهديدهم في أرزاقهم بسبب انتماءاتهم الحزبية و مواقفهم السياسية...وما ندمنا على ذلك و تجاهلنا كل التهم الموجهة إلينا من طرف من يتقاسمون معنا الانتماء الحزبي...ولا يضرنا استقواؤهم ولا تغولهم داخل حزبنا ..و مع ذلك لم نرفع الراية البيضاء أمام استبدادهم و لم نستسلم ولم نقبل بأمثالهم نموذجا يمثل السياسيين ..
آمنت دوما أن الجبهات الداخلية جنودها قليل..وحراسها نادرون..والجهاد من خلالها أعظم..لأن العدو الخفي أخطر وافظع من العدو الظاهر...
إن الطفيليات المدمرة للجبهة الداخلية هم من يرتعون في الريع السياسي و يرفلون في الإمتيازات إنهم يكرهون الديموقراطية ويبيعون وطنية مزعومة بأرخص الأثمان يضعون أرجلهم في كل المواقع لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ..
و كنت عاهدت نفسي ان ابقى وفية للعمل ضمن الجبهة الداخلية و بذل الجهد لتأكيدها وحمايتها وتعزيزها وتقوية اواصرها رفقة كل المخلصين الصادقين الذين لا يطلبون مالا ولا جاها ولا منصبا مقابل انتمائهم لهذا الوطن لأنهم يؤمنون دوما أن الوطنية لا تقبل المساومة ..و ان التدبير السيء للاختلاف لا يولد الا مزيدا من الكراهية والبغضاء ولا يجلب إلا مزيدا من الخراب و الشتات والدمار والبؤس...
و إن تأسفت أو تحسرت على شيء فإنني تحسرت على كل العراقيل التي وضعت بكل الأساليب الخبيثة من مكر وخديعة ومنعونا من خدمة المواطن عبر العمل السياسي وحرمونا من عمل جليل ينتزع الحقوق للمواطن و يسترجع كرامته .. وان نكون صوته في كل المواقف..
لكن سيأتي يوم تنجلي فيه الحقيقة و يظهر التاريخ حقيقتكم ويفضح خيانتكم وتكالبكم على المواقع وسيدور الزمن وتسقط اقنعتكم المزيفة..
ولا نقول الا حسبنا الله ونعم الوكيل
وكفى بالله وكيلا..


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.