تحقيق علمي يرصد أخطر معدلات التلوث الصناعي في مدينة آسفي

كشفت دراسة منشورة في مجلة “ساينتيفيك ريبورتس” أن مدينة آسفي تعرف مستويات مقلقة من التلوث بالمعادن الثقيلة في التربة والنباتات، نتيجة تداخل الأنشطة الصناعية مع المحيطين الزراعي والسكني.

واعتمد الباحثون، المنتمون لجامعة القاضي عياض، مسحا ميدانيا شمل أربع مناطق رئيسية: محيط مصنع الإسمنت، المطرح العشوائي، وحدة معالجة الفوسفاط، ومنطقة سيدي بوزيد التي استخدمت كنقطة مرجعية غير ملوثة.

وأظهرت النتائج أن المنطقة الصناعية الخاصة بالفوسفاط هي الأكثر تلوثا، بما تحمله تربتها من تراكمات مرتفعة للكروم والزنك والرصاص والكادميوم، بنسب تتجاوز الحدود الدولية المعتمدة.

وبينت التحاليل أن تربة القطاع الفوسفاطي تحتوي 102 ملغ/كغ من الكروم و148.7 ملغ/كغ من الزنك و4.8 ملغ/كغ من الرصاص، إلى جانب 1.8 ملغ/كغ من الكادميوم، وهي مستويات تتجاوز بكثير ما تم تسجيله في المناطق الثلاث الأخرى.

كما كشفت الدراسة وجود معدلات مهمة من المعادن في منطقة المطرح العشوائي، فيما تأثرت منطقة مصنع الإسمنت أساسا بالانبعاثات الجوية التي رفعت تركيزات النحاس والرصاص والزنك في التربة.

أما سيدي بوزيد فحافظت على مستويات منخفضة جعلتها تُعتمد كنموذج للتربة السليمة.

وامتد التحليل إلى النباتات المنتشرة في هذه المواقع، باعتبارها وسيلة رئيسية لانتقال المعادن الثقيلة عبر السلسلة الغذائية. وشملت العينات نباتات الكاليبتوس والديفلة والتين والفصة والخردل البري وذيل البحر، وتبين أن النباتات المجاورة لوحدة الفوسفاط تحمل أعلى التركيزات المعدنية.

وسجلت أوراق الكاليبتوس 19.9 ملغ/كغ من الزنك، بينما احتوى الخردل البري على 1.826 ملغ/كغ من النحاس، إضافة إلى تراكمات ملحوظة للرصاص والكادميوم.

ويعد الخردل البري، الذي يستخدم أحيانا في تغذية الماشية، من أكثر الأنواع النباتية قدرة على امتصاص المعادن، ما يرفع احتمالات انتقال هذه الملوثات إلى المنتجات الحيوانية.

كما سجلت مستويات للكادميوم تتجاوز الحدود القصوى المسموح بها دولياً، حيث بلغت 0.4 ملغ/كغ في بعض النباتات، في حين لا يجب أن تتعدى 0.1 ملغ/كغ.

ويحذر الباحثون من آثار صحية محتملة تشمل اضطرابات في الجهاز العصبي والكلى والكبد، فضلا عن مخاطر مسرطنة مرتبطة بعناصر مثل الرصاص والكروم. وأظهرت التحاليل وجود علاقة قوية بين تركيز المعادن في التربة ونسبة امتصاصها في النباتات، ما يعكس تأثيرا مباشرا للتربة الملوثة على المحتوى الحيوي للنبات.

واعتمدت الدراسة مؤشر “تحميل التلوث”، الذي يقدر مستوى تدهور التربة بفعل المعادن الثقيلة، إذ سجلت منطقة الفوسفاط قيمة بلغت 22.8، مقابل 17.1 في منطقة المطرح العشوائي و13.4 في منطقة مصنع الإسمنت، وهي مؤشرات مرتفعة تستدعي تدخلاً بيئياً عاجلا.

وتظهر التحاليل كذلك انخفاضا ملحوظا في نشاط إنزيم الفوسفاتاز داخل أوراق النباتات في المناطق الملوثة، وهو ما يعكس تعرضها لإجهاد سام يؤثر على نموها. كما كشفت الدراسة أن قسما مهما من تراكم الرصاص على الأوراق مصدره الغبار الصناعي المحمول جوا، وليس التربة فقط، ما يبرز التأثير المزدوج لانبعاثات الفوسفاط والإسمنت.

وتوصي الدراسة باتخاذ إجراءات عاجلة تشمل تحديد مناطق يمنع فيها الرعي أو الزراعة، ووضع نظام مراقبة دوري للتربة وجودة الهواء، وإنشاء مطارح مراقبة بدل العشوائية، إلى جانب توعية السكان بالمخاطر المرتبطة بالزراعات الحضرية في المواقع الصناعية.

وترى أن استمرار غياب تدخلات واضحة قد يؤدي إلى تدهور بيئي متسارع، خصوصاً في المناطق التي تعرف كثافة في الأنشطة الصناعية الثقيلة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *