في خضم القضايا والمشاكل التي تعرفها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بدء من ملف الأساتذة الجامعيين وتأهيل الجامعة مرورا بملف "أساتذة التعاقد" الذي عرف منعرجا تصعيديا منذ مغادرة الأستاذة أقسامهم وخروجهم للاحتجاج في الشارع منذ شهر، إلى مشروع قانون الاطار، استضاف برنامج "نقط على الحروف" على جريدة "بلبريس" سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، لوضع النقط على حروف كل هذه الملفات الشائكة، وهذا نص الحوار كاملا:
كيف اشتغلتم على مشروع التكوين المهني؟ وما هي أهم النقط الايجابية التي ستكون لها تأثير مباشر على الشباب؟
أولا هنيئا لنا كمغرب على هذا المشروع الكبير والذي تابعه الملك محمد السادس منذ أولى فتراته، بكل تدقيق ودعم ومواكبة. ثانيا، هذا المشروع الهادف جاء لتنزيل توجيهات الملكية بعد خطاب 20 غشت وخطاب افتتاح الدورة التشريعية التي دعا فيها الملك الحكومة إلى تأهيل الشباب لتيسير ولوجهم لسوق الشغل ولملاءمة التكوينات مع متطلبات سوق الشغل والأخد بعين الاعتبار الطابع الجهوي للتكوينات وللخصوصيات وحاجيات الجهة، لأن اليوم اختصاص التكوين المهني عند الجهات، وهذا النموذج الذي اقترحناه أمام الملك كان لنا الشرف لتقديمه بين أيديه، وهو مشروع متكامل و يأخد بعين الاعتبار ما هو قائم عن طريق تأهيليه وإعادة هيكلته وتثمينه والانخراط في تطوير المهن الجديدة، أخدا بعين الاعتبار هذه الحاجيات الجهوية، وهي خمس محاور كبرى: المحور الأول هو تثمين ما هو قائم وتطويره وتجويده، والمحور الثاني مقاربة بيداغوجية مبتكرة تعتمد على بيداغوجيات الكفايات، وهذا بالنسبة للتكوين المهني شيء محمود، وثالثا تطوير اللغات الأجنبية، فاليوم الشباب لا بد أن ينفتح على اللغات ويتمكن من هذه اللغات لأن سوق الشغل والعالم السوسيواقتصادي فيه عدد من المستتمرين الأجانب، ولا بد أن يتمكنوا من اللغات الأجنبية. رابعا، التكوين في مكان التأهيل المهني، وهذا شيء جديد ومهم، لأنه سيكون انخراط كبير للمهنيين في تكوين هؤلاء الشباب، خامسا وأخيرا، خارطة طريق التي ترتكز على عدد من البرامج لتأهيل الشباب الوافدين من القطاع غير مهيكل لتقوية قدراتهم وتمكينهم من الولوج إلى القطاع المهيكل عبر تمكينهم من اللغات ومن كفايات أخرى تقنية لتطوير هذه القدرات.
هل جميع الجهات قادرة على توفير كل ما يلزم لإنجاح هذا الورش من ناحية العنصر البشري؟
اليوم كل جهة على حدة لديها المؤهلات الطبيعية والبشرية ولديها امتيازات جد مهمة، ونحن في تقديم هذا المشروع ارتكزنا على مؤهلات كل جهة وحددنا مدينة المهن والكفاءات التي ستكون على شكل جامعة للتكوين المهني.
مدينة المهن والكفاءات في المنطقة السياحية سواء الساحلية أو الجبلية سيتوفر فيها جانب السياحة والفندقة والصناعة النظيفة، فمشروع نور جد مهمة ولابد من تكوين الشباب في هذه التقنيات، وفي جهات أخرى سيتوفر الجانب الفلاحي والصيد البحري.
هل طرحت مشاكل على مستوى الموارد المالية؟
الجانب المادي أريد مقاربته من باب الحكامة، فمدينة المهن والكفاءات ستكون على وضع شركات مجهولة الاسم، 12 شركة على المستوى الوطني، كل شركة في جهة، ومن يرأس هذه الشركات هم المهنيون، والتركيبة ثلاثية تضم المهنيون والجهة والدولة، الدولة ممثلة من القطاعات الصناعة الفلاحة الصيد البحري الصحة والسياحة والتكوين المهني لانعاش الشغل، لذا تمويل هذا المشروع سيتم عبر قطاعات الحكومة المعنية وعبر المكتب الوطني للتكوين المهني وإنعاش الشغل والجهة أيضا، ونريد من الشركات أن تنخرط في هذا المشروع وتتبناه لأنه نموذج جديد من شأنه أن يعطي اقلاع حقيقي لمنظومة التكوين المهني على المستوى الجهوي.
وما أريد أن أوضحه أن الكلفة المالية بلغت تقريبا 3 ملايير و600 مليون درهم، ولكن هناك مدينة ستكلف 150 مليون درهم ومدينة أخرى ستكلف 450 مليون درهم، ووجدت هذه التفاوتات لأن هناك عدد الأقطاب القطاعية مختلفة في كل مدينة، وهناك عدد من الشعب والمسالك التي ستكون وطنية، مثل المجال الرقمي الذي نريد إنشاءه في كل المراكز، وهو تخصص سيستفيد منه كل الشباب المغربي في كل جهة، قصد تمكينهم من الانخراط في سوق الشغل وتأهيلهم، كما أريد أن أشير إلى أن الدراسة التقنية ستبدأ منذ الاثنين المقبل، وافتتاح أول مركز سيكون سنة 2021.
ماذا قدمت خلال ولايتك للأستاذ الجامعي والجامعة المغربية؟
الحوار متواصل مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، وقد اشتغلنا على مشروع واضح المعالم وفيه عدد من النقط بما فيها نقطة الترقيات، و تأهيل الجامعة يأتي عبر تأهيل الأستاذ الجامعي، لهذا اليوم فتحنا ورشا كبيرا وجد مهم، ورش بيداغوجي في الجامعة المغربية لتأهيل المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، ككلية الحقوق والاقتصاد وطلية الآداب والعلوم الانسانية ووكلية العلوم، لإعطاء نموذج جديد.
وأنا اليوم على رأس الوزارة أو عندما كنت رئيسا أو عميدا بالكلية، لم أكن راضيا على وضعية الاستقطاب المفتوح لأنه هناك هدر جامعي مهول ونسبة إشهاد ضعيفة وإحباط كبير للأستاذة الجامعيين، لهذا نحن بصدد إرساء هندسة بيداغوجية جديدة لتأهيل الطالب الجامعي ليكون طالبا متمكنا ولديه القدرات كافية وكبيرة ليلج سوق الشغل او للإكمال في الماستر أو الدكتراه، فالجامعة المغربية قامت بدور كبير منذ إنشائها في آواخر الخمسينات، وكونت النخب من أطباء ومهندسين وأطر الدولة... .
لابد للجامعة اليوم أن تستمر في فرز النخب وتكوين الشباب المغربي، لهذا فالشغل الشاغل لنا هو الورش البيداغوجي الجديد الذي سينطلق مع الدخول الجامعي 2020/ 2021، وسننتقل من نظام الإجازة إلى نظام "الباشلور"، لأن من الضروري منح الطالب مهارات أخرى لا على مستوى اللغات والكفايات والمهارات الذاتية والثقافة العامة، ولا على مستوى التخصص في حد ذاته، اليوم هناك عدد من المشغلين يصرحون بأن هناك مشكل في عمق التخصص.
وبالنسبة لملف الأستاذة الجامعين، فقد أخدته على عاتقي لثقتي به، واليوم لدينا عدد من أساتذة التعليم العالي لأكثر من 15 سنة، ولا توجد أفق أخرى للاشتغالهم واجتهادهم، ثم هناك مشكل آخر مطروح، وهو سن التقاعد، وإذا لم يكن هناك تحفيز سيغادروننا، وهنا ستطرح إشكالية تعويضهم، فالتوظيف وإحداثات المالية لا يمكنها تعويض جودة الأساتذة الذي يمكن أن نفقدهم. وهذا الملف قدمته لوزير المالية الذي أبدى تفهمه واليوم وزارة المالية ووزارة التعليم يشتغلان لإعطاء حلول واقتراحات وجيهة سنقدمها لأساتذتنا، وهذا عنصر مهم، ولا يمكن أن ننخرط في بناء جامعة الغد بدون إشراكهم، صحيح أن العنصر المحوري هو الطالب لكن لا يمكن تأهيله إلا عبر الأستاذ.
حزب العدالة والتنمية رفض التصويت على مشروع قانون الإطار، ما هو رأيكم في الموضوع؟
أنا جد متفائل، عندما قدمت مشروع قانون إطار أمام اللجنة، كان هناك حماس كبير، والمناقشة التفصيلية استغرقت 50 ساعة، وكان النقاش جد مسؤول، والجميع عبر عن مبدأ التوافق، يجب أن يتجاوز هذا القانون كل الاعتبارات السياسية ويكون داخل إطار توافقي وطني، وأذكر بالخطاب الملكي سنة 2015، حيث قال الملك إن هذا القانون الإطار يجب أن يكون تعاقد وطني ملزم على الجميع، لذا فهو يتجاوز كل وزارة أو حزب، هو مشروع مجتمع بناء المدرسة المغربية العمومية للغد.
وأنا آسف لأنه اختزلنا قانون الإطار كاملا في مادتي اللغات، إذ سيمكننا هذا القانون من قفزة نوعية في جميع المجالات، كالبحث العلمي والبيداغوجية الموارد البشرية.
في الأول تم التعبير عن التوافق وجميع الفرق البرلمانية قدمت اقتراحات التعديل التي تجاوبنا معاها، والتي تجاوزت 100 تعديل، إلا أن الفريق البيجيدي أظهر أنه لم يقتنع بالمادة 31 والمادة 02، وأنه غير مستعد بعد للانخراط في هذا الاتجاه.
الفريق البرلماني للعدالة والتنمية لديه مبدأ المجزوءات والمضامين في إطار التناوب للغة، ونحن نقول أن وضعية التناوب اليوم لم تعطي نتيجة، وهذا ما نعيشه في الجامعة المغربية وبالخصوص فيما يخص المسالك العلمية. هناك شرخ كبير بين الثانوي والعالي،هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن عددا من المشغليين، عندما يطلقون إعلانات التشغيل يطلبون اللغات الأجنبية، وتجد الطالب غير متمكن، وأركز على أن الطالب غير المتمكن هو القادم من المؤسسات العمومية، أما الدارس في الخاصة فيتوفر على مؤهلات لغوية كافية.
وأؤكد أن هذا لاعلاقة له باللغة العربية، فهي لغتنا واللغة الرسمية ويجب تطويرها وإتقانها وتأهليها عبر تطوير المغاربة البيداغوجية، فحتى الحاصلين على الباكالوريا غير متمكنين من اللغة العربية.
فريق العدالة والتنمية لديه موقف المجزوءات، ونحن ندافع عن الوثيقة الحكومية التي أتت بها الحكومة والتي يندرج فيها تدريس المواد العلمية والتقنية باللغات الأجنبية، والتي تقدمت أمام أنظار الملك في المجلس الوزاري وتمت المصادقة عليها، لهذا أنا جد واثق ومتفائل بتجاوز هذا المشكل وسنظل في إطار توافقي لأن هذه القضية جد مهمة وتقتضي انخراطنا جميعا.
أين وصل ملف "أساتذة التعاقد"؟
في يوم 13 مارس 2019، تم حذف كلمة "التعاقد" بشكل نهائي من النظام الأساسي للأكاديميات، وأصبح لدينا أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
ببساطة، في 2016 أي في عهد الحكومة المنصرمة، تم اللجوء للتوظيف بالتعاقد، لأن المدارس كانت تعاني من نسبة اكتظاظ جد مهولة في الأقسام. ولم يكن عن عبث، بل كان مسطرا في الرؤية الاستراتيجية والميثاق الزمني من 1999 كنمط للتوظيف، وفي 2016 تم توظيف 11 ألف أستاذ، و 2017 تم التعاقد مع 24 ألف أستاذ، وسنة 2018 وظفنا 20 ألف أستاذ، و2019 تم توظيف 15 ألف ، اليوم لدينا 55 ألف في القسم، و15 الألف في التكوين.
العقد الذي تم في 2016 مع الأساتذة مدته الزمنية سنتين، وتم خلق بعد مضيها ملحق لدفع أجور هؤلاء الأستاذة، الأمر الذي خلق ارتباك لديهم، وظهرت موجهة الغضب والاحتجاجات التي شهدناها الشهر الأخير.
السنة المنصرمة اشتغلنا كحكومة من أجل تسوية وضعية الأستاذة للمرور من وضعية التعاقد لوضعية نظامية للتوظيف الجهوي وخلقنا نظاما أساسيا وصادقنا عليه. وابتداء من فاتح شتنبر 2008 كانت لدينا الأنظمة الأساسية جاهزة.
وبعد الزوبعة التي لا ندري كيف خلقت، قمنا كحكومة مباشرة بتجويد وتطوير النظام الاساسي من أجل المماثلة بين النظام الأساسي للوظيفة العمومية الجهوية والنظام الأساسي العام للتربية الوطنية.
واليوم أصبح لدينا مطابقة وليس مماثلة بين النظامين، وذلك كي لا يحس هؤلاء الأساتذة بالتمييز بينهم وبين الأستاذة الآخرين في مؤسساتهم. ووضحنا من خلال التعديل الامتيازات والحقوق الجديدة بما فيها الولوج إلى جميع المستويات لا المفتشين ولا الإدارات التربوية. وبخصوص نظام التقاعد، سيتم دمج الصناديق وبالتالي المشكل غير مطروح، ولا يجب تقديم هذا المشكل الآن.
وأطمئن هؤلاء الأساتذة للاتحاق بأقسامهم، فهؤلاء أساتذتنا وقوتنا نستمدها منهم، وتلامذتهم في حاجة إليهم، وقد غادروا أقاسمهم مدة شهر ولا يمكن قبول هذه القضية، كما أنهم تحلوا بمسؤولية كبيرة منذ اشتغالهم وأبانوا عن قدراتهم وجديتهم، ويجب وضع مصلحة التلميذ فوق كل اعتبار.
ذهبنا في استدراك الزمن المدرسي بسبب تغيبهم، إلا أننا لم نقدر تغطية بعض المناطق الجبلية التي تم إغلاق المدارس فيها وهذا غير معقول. لذا أطلب منهم العودة لأقسامهم.