غاب أكثر من 330 نائباً برلمانياً من أصل 395، أي نحو 85 في المائة من أعضاء مجلس النواب، عن الجلسة العمومية التي عقدت صباح اليوم الثلاثاء والمخصصة للمصادقة على مشروع قانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، في قراءة ثانية بعد إحالته من مجلس المستشارين.
الجلسة التي عُقدت بحضور وزير العدل، والذي قدّم عرضاً مفصلاً حول أهمية المشروع، كان يُفترض أن تكون محطة تشريعية محورية نظراً للثقل القانوني والحقوقي للنص المعروض.
فالقانون يمس جوهر العدالة الجنائية، ويُعد من الركائز التي تُبنى عليها الثقة بين المواطن ومؤسسات القضاء، ويُرتقب أن يُحدث تغييرات مهمة في مجالات الإيقاف، والمحاكمة، وضمانات الدفاع، والمساطر الخاصة.
غير أن الحضور الهزيل – 62 نائباً فقط، 47 منهم من الأغلبية و15 من المعارضة – نسف صورة الانضباط التشريعي، وأعاد إلى الواجهة النقاش حول أزمة التمثيلية البرلمانية، فأن يغيب هذا العدد الكبير من النواب عن لحظة تشريعية بهذا الحجم، يُعد مؤشراً مقلقاً على تراجع الوعي بالمسؤولية داخل مؤسسة يُفترض أنها التعبير الأرقى عن صوت الأمة.
ويُجمع مراقبون على أن هذا الغياب الجماعي لا يُمكن تبريره بعوامل طارئة، بل يكشف عن اختلال بنيوي في العلاقة بين النائب ومهامه الدستورية، ويطرح علامات استفهام حول جدوى انتخاب ممثلين لا يحضرون ولا يصوتون، خصوصاً في جلسات مفصلية تهم مصير العدالة وضمانات المواطنين.
كما اعتبر عدد من المتتبعين أن ما جرى اليوم ينبغي أن يُشكّل جرس إنذار للمؤسسة التشريعية برمتها، ويدفع إلى التفكير في تدابير أكثر صرامة، سواء عبر تفعيل الاقتطاع المالي المرتبط بالغياب، أو إعادة النظر في مدونة السلوك البرلماني، أو حتى نشر لوائح الغياب بشكل دوري للرأي العام، من باب ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ويُشار إلى أن الجلسة، التي صادفت ختام الدورة الثانية من السنة التشريعية الرابعة للولاية الحادية عشرة، لم تُبدّد هذا الإحساس المتزايد بانفصال جزء من البرلمان عن نبض التشريع، في وقت تتعاظم فيه انتظارات المواطنين من مؤسسة يُفترض أن تكون حصن الدفاع عن الحقوق والحريات، لا شاهدة صامتة على تآكل الالتزام السياسي.