يعقد حزب الأصالة والمعاصرة (البام) مؤتمره الخامس تحت شعار "تجديد الذات الحزبية". ويُثير هذا الشعار تساؤلات حول صحّة "جسد البام" وما إذا كان بحاجة إلى جراحة عاجلة أم مسكّن مؤقت.
ما يستنتج من الشعار أن الحزب يُعاني من داءٍ يتطلب العلاج للعبور إلى مرحلة جديدة تتجاوز إرث الماضي.
الحزب يستعد لعقد مؤتمره الخامس في ظرفية دقيقة، ومستجدات سياسية مغايرة تماما للمؤتمرات السابقة.
فالحزب شأن أحزاب أخرى يعاني من تراجع شعبيته، ويواجه تحديات كثيرة تتمثل في:
- فقدان بعض قيادييه البارزين.
- صعوبة التواصل مع جيل الشباب.
- الحاجة إلى مواكبة التطورات الفكرية والسياسية.
هناك من المراقبين من ينظر بإيجابية إلى الشعار ويرى فيه فرصة لإنقاذ الحزب من التحديات التي يواجهها، وتحسين صورته أمام الرأي العام.
وهناك من ينظر بمنظور سلبي يُرى فيه مجرد محاولة لتجميل صورة الحزب دون إحداث تغيير حقيقي.
ولئن رصد المتتبعون للشأن السياسي ببلادنا ما أسموه ’’ الغموض’’ الذي يلف المؤتمر الخامس للحزب حتى اللحظات الأخيرة، خاصة على مستوى فنجان الأمانة العامة الذي لم يٌقرأ بوضوح بعد، فإن البعض اعتبر الأمر ليس وليد اليوم.
فقد سبق أن ظهر مرشح وحيد في اللحظات الأخيرة كما هو الحال بالنسبة لإلياس العماري في 2016 ، ومن قبله مصطفى البكوري، غير أن أسماء بعينها قفزت إلى دائرة الضوء قبل أيام من المؤتمر أحدثت ارتباكا في المشهد الحزبي، خاصة وأن تعديلا حكوميا مرتقبا في حكومة أخنوش رهين بمؤتمر البام.
المثير في النسخة الخامسة لمؤتمر ’’ الجرار’’، هو الشعار ’’ تجديد الذات الحزبية’’!
هذا الشعار يطرح مجموعة أسئلة، فهل يتطلب التجديد تغييرا شاملا، أم فقط تكتيكات في الخطط والآليات والأدوات التي سيحتاجها الحزب للعبور نحو النسخة الجديدة المنقحة؟
هل البام في حاجة ملحة إلى نسخة منقحة، أم هو في حاجة إلى ولادة جديدة تتطلب عملية جراحية تقطع حبل السرة الذي يربط الحزب بشخصيات وأحداث من زمن التأسيس؟
بالعودة إلى شعار المؤتمر الذي يمكن استنساخه للمرحلة، هل الذات الحزبية للبام تعاني من علة ألمت بها تنظيميا مؤخرا، أوهنتها حتى لا نقول سياسيا، لأن السياسة رغم كل المطبات لا تشيخ حتى وإن تغيرت النظريات السياسية بتغير، القيم وأساليب التواصل وموازين القوى..
لا يختلف اثنان أن الحزب منذ تأسيسه تلقى الكثير من الضربات، ومر بالكثير من المطبات لكنه استطاع تجاوزها بأقل الخسائر الممكنة.
الزلزال الذي أحدثه ملف ما يعرف ب ’’ إسكوبار الصحراء’’ وتورط أسماء بارزة في الحزب سيكون حاضرا في أذهان المؤتمرين.
كما أن آفول نجم قياديين بارزين وأمناء سابقين يتم استحضاره كذلك، كما يتم تداوله من حين لآخر وسط دواليب الحزب، وفي الصالونات المهتمة بعالم السياسة.
مناضلو الحزب يعون تماما أن الوجوه القديمة لم تعد لها أسهم في بورصة السياسة الشعبية، ولدى الجماهير، والسياسة في البدء والمنتهى لعبة قواعد وجمهور وأصوات واستقطابات هنا وهناك..
على الحزب أن يطور خطابه السياسي وأن يقوم بتحديث رؤيته الاستراتيجية، وأن يكون أقرب إلى الناس من أي وقت مضى.
على الحزب أن يضع الثورة التكنولوجية نصب عينيه، إن هو أراد مخاطبة جيل الشباب العازف عن السياسة.
جيل لم ير قط أوراق التصويت الملونة، ولا يعرف شيئا عن برامج الأحزاب خلال أسبوعين من الحملات الانتخابية.
جيل لا تدركه إلا وسط شبكات التواصل الاجتماعي، ووسط نطاقات المواقع الإلكترونية المهتمة بالتسويق والعملات الرقمية والبلوكتشين، واقتصاد المحتوى، والواقع الافتراضي المعزز وأدوات الذكاء الاصطناعي...
في هذا السياق المرحلي الصعب، جاء نداء فاطمة الزهراء المنصوري، رئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، التي وضعت يديها على الجرح أو الداء الذي صدرنا به هذا المقال.
نداء إلى مناضلي الحزب خلال المؤتمر الخامس ، دعت فيه إلى مراجعة الذات وتغيير الحزب نحو المستقبل.
وعبرت رئيسة برلمان البام، في ندائها الذي تبشر فيه بعصر جديد، عن توجه الحزب نحو ولادة ثانية بعرض سياسي وفكري جديدين، ونخب قيادية جديدة.
ويشير النداء إلى رغبة في تجاوز مرجعيات وأفكار محطة تأسيس البام، والقطع مع الماضي، والانتقال رأسا إلى المستقبل، إلى محطة ثانية تتسم بطاقات شبابية وبر وفيلات وعقليات ومقاربات جديدة.
من يدري فقد ينجح البام فيما فشلت فيه أحزاب كثيرة في مصالحة الشباب مع السياسة، بمفهومها الشامل المبني على تكافؤ الفرص، والقدرة على التغيير من داخل المؤسسات، والقطع مع الأساليب التقليدية، فهل يفعلها الباميون؟..