إيران والحرب ضد إسرائيل.. لعبة الحسابات التي تتجاوز دعم المقاومة الفلسطينية

حذرت الولايات المتحدة وحلفاؤها من تصعيد الصراع بين إسرائيل وحركة حماس ليشمل الشرق الأوسط بأكمله.

ولثني حزب الله ومن خلفه إيران عن المشاركة في الصراع، أرسلت واشنطن حاملتي الطائرات ''يو أس أس أيزنهاور" و"جيرالد فورد" إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، وذلك بعد ساعات قليلة من اندلاع الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر الجاري.

التلويح بتدخل عسكري مشروط يراعي الحسابات الإيرانية

منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر سارعت إيران إلى نفي علاقتها بما حدث، وجاء ذلك أولا على لسان بعثتها في الأمم المتحدة. ومن ثم المرشد الإيراني، علي خامنئي، الذي نفى مشاركة إيران، لكن مع ذلك أشاد بما وصفه بـ "الهزيمة العسكرية والاستخباراتية التي لا تعوض لإسرائيل".

ورغم نفيها المشاركة في هجوم 7 أكتوبر، إلا أن إيران تهدد بين الحين والآخر بتدخل عسكري مشروط؛ حيث أشارت البعثة الدائمة لإيران لدى الأمم المتحدة، بأن قواتها لن تدخل في اشتباك عسكري مع إسرائيل ما لم تشن هجوما عليها أو على مصالحها أو مواطنيها.

في ظل التدخل المشروط الذي تلوح به إيران، فإن وزير خارجيتها، حسين أمير عبد اللهيان، أجرى زيارة إقليمية خلال الأيام الماضية، وشملت كلا من لبنان والعراق وسوريا، وصولا إلى قطر التي التقى فيها بقادة من المكتب السياسي لحماس.

,الواضح أن الأحداث الحالية تشكل محطة اختبار بالنسبة لإيران، وذلك أن الاشتباكات الحاصلة ترتبط بالمحور الذي تترأسه في لبنان، ويمتد إلى حركات المقاومة الفلسطينية، وسوريا والعراق، مما يفسر بوضوح، زيارة وزير الخارجية الإيراني لهذه الدول بعد اندلاع الحرب الأخيرة في 7 أكتوبر.

كما أن زيارة وزيرة الخارجية الإيراني لقطر بالخصوص، تعيد الحديث عن موضوع الأموال الإيرانية لدى قطر بعد أن تم الإفراج عنها بموجب اتفاق تبادل السجناء مع الولايات المتحدة في الأسابيع الماضية، لكن بعد وقوع هجوم حماس الأخير انتشرت أخبار حول عزم واشنطن إعادة تجميد هذه الأموال في ظل الاتهامات المتصاعدة لإيران بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر.

وبالتالي، فقرار التدخل العسكري الإيراني المباشر ضد إسرائيل، يرتبط بملفات وحسابات أخرى تتعدى مسألة دعم المقاومة الفلسطينية.

إذ أن هنالك قضايا استراتيجية بالغة الأهمية في مخيلة صانع القرار الإيراني، مثل الملف النووي الإيراني، ومسألة الأموال الإيرانية المجمدة بالخارج، والضغط الممارس فيما يخص قضايا حقوق الإنسان في الداخل الإيراني، ناهيك على أن الموقف الغربي هذه المرة أكثر صرامة تجاه كل الأطراف المؤثرة في الحرب بما فيها إيران، مقابل دعم لا مشروط لإسرائيل، دعم يصل حد التدخل الأمريكي عسكريا في حالة تدخل إيران.

وعليه، فالتدخل الإيراني مستبعد، على الأقل في المنظور القريب، اللهم إذا حدثت تطورات خطيرة تمس العمق الإيراني، وهو سيناريو مستبعد بدوره بما أن إيران تدير من خلف الستار تحركات حزب الله.

,في ظل الحسابات المعقدة التي تراعيها إيران في علاقتها بحلفائها الإقليميين، وخصومها الغربيين، فإنها لن تخاطر بالدخول في حرب قد تخسر فيها أكثر مما تربح، حرب غير محسوبة العواقب، ويمكن الاستغناء عنها في ظل وجود فاعلين يمكن أن تحركهم  في أي اتجاه شاءت بما يخدم مصالحها.

التوظيف الإيراني لحزب الله في الجبهة اللبنانية الإسرائيلية

إذا كانت الاشتباكات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي في البداية تقتصر على بعض النقاط، خاصة الحدودية، فإنها أصبحت الآن تتعلق بالحدود بأكملها. فمنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، صارت وتيرة القصف والاشتباكات يومية، خاصة في الجبهة الشمالية على الحدود بين إسرائيل ولبنان.

إن الاشتباكات الجارية حاليا، لا تشبه مثيلاتها قبل 7 أكتوبر بين الطرفين، حيث تستخدم هذه المرة المدفعية الثقيلة ومدافع الدبابات والطائرات بدون طيار والمروحيات العسكرية خلال الجولات التفقدية.

,يتزامن ذلك مع إعلان الجيش الإسرائيلي، الحدود مع لبنان منطقة عسكرية مغلقة، مع تكرار الاشتباكات والقصف المتبادل مع حزب الله اللبناني بدرجة أولى، وبعض الفصائل الفلسطينية، بالإضافة لـ "قوات الفجر" الجناح العسكري للجماعة الإسلامية في لبنان.

ومع ذلك، فالاشتباكات المسلحة والعمليات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله، لم تتطور بعد لحرب شاملة، حيث تحاول إسرائيل وحزب الله الالتزام بقواعد الاشتباك الضمنية السارية منذ حرب 2006.

وعلى الرغم من أن الاشتباكات عنيفة ومميتة، فإنها لا تزال محصورة في المناطق الحدودية، ويتجنب الطرفان معا خلال هذه المرحلة مهاجمة المناطق السكنية المأهولة مما يخلف خسائر محدودة عكس القصف الإسرائيلي في غزة الذي يستهدف المدنيين بالمناطق السكنية المأهولة.

لماذا يلتزم حسن نصر الله الصمت على غير عادته؟

لم يصدر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، حتى الآن، أي بيان رسمي، وهو الذي اعتاد التحدث علانية خلال أزمات مشابهة.

وقدم المراقبون تفسيرين لهذا ''الصمت المقلق'': الأول هو أن حسن نصر الله ليس لديه ما يعلنه، مما يعني أن حزب الله ومعه إيران لم يتخذوا قرارهم النهائي بعد بشأن الموقف الذي سيتبنونه في مواجهة الأزمة الحالية.

السبب الثاني هو أن حسن نصر الله، الذي أتقن عناصر الحرب النفسية في الماضي، يترك عن قصد شكوكًا حول نواياه في مفاجأة الإسرائيليين أو إعطاء المزيد من الحرية للإيرانيين في الوساطة المحتملة أو المفاوضات غير المباشرة.

الانقسام اللبناني حول قرار إعلان الحرب ضد إسرائيل

إن اللبنانيين منقسمون بشدة حول مواجهة احتمال مشاركة البلاد في الحرب. فمساء الأربعاء 18 أكتوبر، نزل الآلاف من أنصار حزب الله إلى شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد الهجوم على مستشفى المعمداني في غزة، ورددوا هتافات تحث حسن نصر الله على إعلان الحرب على إسرائيل.

في المقابل، يخشى جزء آخر من اللبنانيين من حرب مدمرة في وقت تمر فيه لبنان بأزمة سياسية واقتصادية خانقة، وعلى المستوى الإقليمي والدولي فإن لبنان لم تعد تحظى بالاهتمام الذي كان من قبل في الدول العربية وحتى المجتمع الدولي. والمقصود في هذا السياق، مسألة إعادة البناء؛ حيث ستخلف الحرب ضد إسرائيل، لا محالة، في حالة إقرارها، خسائر هائلة في البنيات التحتية بلبنان. وعليه فإن أي إعادة بناء، كتلك التي نفذت بعد حرب عام 2006، ستكون صعبة إلى مستحيلة. وبالتالي ستزيد الحرب من تعميق الأزمة في لبنان أكثر مما هي عليه الآن.

على المستوى الرسمي، فإن السلطات اللبنانية عاجزة تماما، حيث إن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أكد في تصريح له يوم 13 أكتوبر الجاري، بأن ''قرار السّلم والحرب ليس بيدي ولا بيد الحكومة، ولكنّني أقوم بمسعى مع كلّ الفاعليّات لعدم جرّ لبنان إلى الحرب. إنّنا نسعى لإبقاء ​لبنان​ بعيدًا عن الحرب أو عن أيّ حالة من عدم الاستقرار"، مشيرًا إلى "أنّني لمست الواقعيّة والعقلانيّة عند ​حزب الله، لكنّني لم أحصل على ضمانة من أحد لأنّ الظّروف متغيّرة باستمرار".

الواضح انطلاقا من تصريح نجيب ميقاتي، ومن سوابق تاريخية أخرى، أن قرار الحرب والسلم في لبنان، بقيادة حزب الله أساسا، ويتم اتخاذه من طهران وليس بيروت. طهران التي تسطر مساراتها الخاصة في السياسة الخارجية بشكل يتجاوز دعم المقاومة الفلسطينية، بل يرتبط أكثر بموقعها في ''الشرق الأوسط الجديد'' وحيازتها لأكبر قدر ممكن من أوراق الضغط في مواجته الغرب.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.