لا لتمييع المفاهيم الدستورية - قضية اعفاء الوزير عبد اللطيف وهبي نموذجا-

أعاد الجدل الدائر والاخبار المتداولة الأمس حول تقديم وزير العدل عبد اللطيف وهبي طلب إعفاءه من الحزب ومن الحكومة بعد قضية مباراة المحاماة، لواجهة النقاش العمومي مضمون الفصل 47 من الدستور الذي حدد مساطر الاعفاء في الدستور المغربي.

ونص الفصل السابق ذكره مساطر الاعفاء حيث جاء فيه :’’ يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها.

للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية.

يترتب على استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها من لدن الملك. تواصل الحكومة المنتهية مهامها تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة’’.

يتبين من مضمون الفصل 47 من الدستور مساطر الاعفاء والاستقالة، وهي علي الشكل التالي:
- الاعفاء في الفصل 47 من دستور 2011
أ‌- الاعفاء الملكي المباشر من خلال مبادرة منه
ميز هذا الفصل بين الاعفاء والاستقالة، فالإعفاء دستوريا يبقى من اختصاصات الملك في كل الحالات، لان الدستور اعطى للملك مبادرة اعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم بعد استشارة رئيس الحكومة.
كما منح الدستور في نفس الفصل لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية.
وهنا يجب ان نميز بين نوعين من الإعفاءات: الأول الاعفاء الملكي لعضو او اكثر من الحكومة بمبادرة منه بعد استشارة رئيس الحكومة ، وفي هذه الحالة فعملية الاعفاء تكون اوتوماتيكية وفعلية مباشرة.
ب-الاعفاء بطلب من رئيس الحكومة بطلب استقالة من الوزير
منح الدستور في نفس الفصل لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية.
وفي هذه الحالة يبقي ملتمس الاعفاء مشروط بطلب استقالة فردية او جماعية من الوزراء لرئيس الحكومة الذي يرفع طلب الاستقالة للملك،
ويبقى للملك حق قبول او رفض ملتمس الاستقالة وهو ما يعني عدم اعفاء صاحب الطلب.

وعلى هذا الأساس ، فان ما تم الترويج له حول ملتمس الاعفاء الذي قدمه عبد اللطيف وهبي وزير العدل ليس سليما دستوريا ، لمخالفته مضمون الفصل 47 من الدستور.
فللوزير وهبي الحق في تقديم ملتمس الاعفاء من الحكومة لكن ليس مباشرة للملك، بل لا بد ان يمر ملتمس اعفاءه لرئيس الحكومة عبر طلب استقالة الذي يرفعه رئيس الحكومة للملك ، وفي هذه الحالة يمكن للملك ان يقبل طلب اعفاء الوزير وهبي، او رفض طلب العفاء وهو ما يعني ان قضايا الاعفاء او الاستقالة لاي عضو من الحكومة تبقى بيد الملك الذي له الحق اما بالقبول او بالرفض.

وعليه، فطلب الاعفاء من الحكومة من طرف الوزراء ليس عملية بسيطة، بل انها معقدة وتمر من مساطر، ولها تداعيات على الحكومة والأحزاب، ولا تتم في ساعات كما تم الترويج له في بعض المواقع .
يستنتج من مقتضيات الفصل 47 من الدستور ان اعفاء عضو او اكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم يتخذ ثلاث صور هي:
- للملك بمبادرة منه بعد استشارة رئيس الحكومة ان يعفي عضو او اكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم
- لرئيس الحكومة ان يطلب من الملك اعفاء عضو او اكثر من أعضاء الحكومة
- لرئيس الحكومة ان يطلب من الملك اعفاء عضو او اكثر من أعضاء الحكومة بناء على استقالتهم الفردية او الجماعية
بناء على الفصل 47 من الدستور فالملك ينفرد بسلطة تعيين واعفاء رئيس الحكومة او عضو من ام اكثر من أعضاء الحكومة او الحكومة بأكملها

وعلى هذا الأساس، فان اعفاء الوزراء من الحكومات ليس بيد الوزراء ذاتهم او بيد رئيس الحكومة، بل انه يبقى من اختصاصات الملك، لان الملك بصفته رئيس الدولة هو صاحب مساطر التعيين والاعفاء دستوريا.
لذى، فكل ما راج من اعفاء للوزير عبد اللطيف وهبي يبقى مجرد اشاعة وتضليل وجهل بأبسط المبادئ الدستورية المتعلقة بالإعفاء.
فالوزير وهبي لم يقدم استقالته لرئيس الحكومة لرفعها للملك؛ ولا الملك اعفى وهبي بعد استشارة رئيس الحكومة، لذى فكل ما روج حول اعفاء وزير العدل عبد الطيف وهبي مجرد جهل بمضامين الدستور خصوصا مضمون الفصل 47 منه.