حزب الاستقلال: أزمة مستمرة أم فرصة للتجديد؟
يُعدّ حزب الاستقلال أحد أعرق الأحزاب السياسية في المغرب، وله تاريخ حافل بالنضال الوطني والمساهمة في الحياة السياسية منذ سنين. لكن في السنوات الأخيرة، واجه الحزب أزمات داخلية عميقة تجلت بشكل واضح خلال مؤتمره الأخير.
فبعد تأجيله لأكثر من سنتين، لم يتمكن المؤتمر من حسم انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية، مما أثار قلق العديد من المنخرطين والمراقبين.
وعلى الرغم من عقد المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال، إلا أن قوس الخلافات الداخلية لم يُغلق بعد.
فما زالت الصراعات بين مختلف تيارات الحزب قائمة على من يحجز مقعده داخل اللجنة التنفيذية، مما يعيق تقدم الحزب ويُضعف تأثيره على الساحة السياسية الوطنية.
لم تكن أزمة حزب الاستقلال مفاجئة لمن يجيد قراءة الرسائل وتفكيك الخطب السياسية، بل ظهرت بوادرها منذ فترة طويلة. ففي المؤتمر السابق، شهد الحزب صراعات داخلية بين تيارات مختلفة، تطورت إلى معركة بالصحون مما أدى إلى انقسامات عميقة.
كما واجه الحزب العديد من التحديات الخارجية، مثل تراجع شعبيته وظهور أحزاب جديدة على الساحة السياسية وأخرى جددت خطاباتها مستفيدة من التحولات المرحلية في المشهد السياسي المغربي.
قفزت الكثير من المطبات في وجه الحزب وقيادييه على بعد أسابيع من المؤتمر 18 وهي مؤشرات كانت تنبئ بما جرى يوم الأحد 28 ابريل 2024 في بوزنيقة.
يمكن ربط هذا التراجع كذلك بمجموعة من الأسباب مثل غياب التجديد، حيث ظلّ الحزب محتفظًا بنفس القيادات والنهج لسنوات طويلة، مما أدى إلى شعور بالجمود.
الصراعات الداخلية التي تفاقمت بين تيارات الحزب المختلفة، أدت إلى انقسامات عميقة وتعطيل عملية اتخاذ القرار.
أدت أزمة حزب الاستقلال إلى العديد من التأثيرات السلبية، منها: فقدان الثقة، حيث فقد العديد من المنخرطين والمواطنين الثقة في الحزب وأحزاب أخرى بسبب الصراعات الداخلية وتكرار الخطاب نفسه.
ضعف التأثير، إذ تراجع تأثير الحزب على الساحة السياسية الوطنية بسبب انقسامه الداخلي وضعف قدرته على اتخاذ مواقف موحدة.
صعوبة استقطاب الشباب، وهذه سمة مشتركة بين جميع الأحزاب المغربية، حيث واجه الحزب صعوبة في استقطاب الشباب بسبب شعورهم بالجمود وعدم وجود فرص للمشاركة في صنع القرار.
لكن ورغم كل ذلك، أمام الحزب فرصة تاريخية، تمكنه من تجاوز الأزمة الحالية، مثل تجديد القيادات وتشبيب اللجنة التنفيذية وتغليب المصلحة العامة، من أجل توحيد الصفوف حيث الكل مطالب بالانخراط بمسؤولية لرأب الصدع.
يحتاج الحزب إلى ضخ دماء جديدة في قيادته، مع إتاحة الفرصة للشباب للمشاركة في صنع القرار. ويجب على مختلف تيارات الحزب وضع الغايات الشخصية جانبا لعبور هذه المرحلة الحرجة.
يحتاج الحزب كغيره إلى تطوير خطابه السياسي ليتماشى مع التطورات الحالية وتطلعات المواطنين الشباب خاصة، وهي إشارة ذكرها نزار بركة في خطاب إعادة انتخابه يوم السبت27 ابريل ببوزنيقة عندما تحدث عن التطور التكنولوجي وشبكات التواصل، لكنه أمر يحتاج إلى أجرأة فعلية وإرادة، لأن قنوات الحزب التواصلية وعلى غرا أحزاب أخرى بطيئة نوعا ما.
التواصل هو المفتاح إلى الجمهور، على الحزب الاستثمار فيه، خاصة التواصل الرقمي، إذ يجب على الاستقلال تعزيز التواصل مع قاعدته الجماهيرية واستعادة ثقتهم وثقة الجمهور الرقمي الذي يعد بالملايين.
يحتاج الحزب وهو حزب علال الفاسي والنقد الذاتي، إلى مراجعة ذاتية حقيقية وشاملة لتحديد نقاط القوة والضعف وتطوير خطة عمل استراتيجية للمستقبل القريب.
يمكن أن تتطور أزمة حزب الاستقلال بعدة اتجاهات محتملة، فقد يتمكن الحزب من تجاوزها من خلال تجديد الهياكل وتوحيد الصفوف وتطوير الخطاب السياسي. في هذه الحالة، يمكن للحزب استعادة مكانته على الساحة السياسية الوطنية.
وقد تستمر أزمة الحزب وتزداد عمقًا، مما قد يؤدي إلى انقسامات جديدة وفقدان المزيد من الثقة من قبل المنخرطين والمواطنين.
في هذه الحالة، قد يفقد الحزب تأثيره على الساحة السياسية الوطنية وبالتالي سيتأثر سلبا في محطة الانتخابات التشريعية المقبلة في 2026.