اكتساح اليمين المتطرف للانتخابات الأوروبية.. هل تتأثر العلاقات المغربية الفرنسية؟

أسفرت الانتخابات التشريعية الخاصة بالبرلمان الأوروبي، التي جرت يوم الأحد الماضي، عن زلزال سياسي بتقدم اليمين المتطرف في ست دول، حيث تزعم حزب "التجمع الوطني" النتائج في فرنسا، التي تعتبر محركًا سياسيًا واقتصاديًا للاتحاد الأوروبي بجانب ألمانيا.

وأدت الدعوة لانتخابات مبكرة إلى تجميد زيارات الوزراء الفرنسيين إلى الجزائر والمغرب، وكانت الرباط تستعد لاستقبال رئيس الحكومة الفرنسية الشهر المقبل لكن بسبب الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها قد تفضي لفوز اليمين المتطرف، مما سيؤدي إلى سيناريو كارثي قد يشمل احتمال استقالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبغض النظر عن النتائج، فمن المتوقع أن تؤدي هذه التطورات إلى تأجيل زيارة ماكرون إلى المغرب في سبتمبر المقبل، وأيضاً تأجيل زيارة الرئيس الجزائري عبد العزيز تبون إلى فرنسا.

محللون سياسيون اعتبروا أن هذا التحول المفاجئ في السياسة الأوروبية والفرنسية بشكل خاص "لن يؤثر" على العلاقات المغربية الفرنسية، مشيرين إلى أن الرباط التي تراقب عن كثب مآل هذه الانتخابات نظرًا لارتباطها العميق بأوروبا عبر العديد من الملفات المشتركة، تعول على الأحزاب اليمينية أو الوسطية، وكذلك بشكل ما على الأحزاب اليسارية، لحماية مصالحها الاستراتيجية في أوروبا.

العلاقات مرهونة بالجوانب الاستراتيجية

وفي هذا السياق، استبعد خالد الشيات، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول، أن تؤثر الأحزاب الانتخابية بشكل كبير على مسار العلاقات المغربية الفرنسية إلا في مستوى الخطاب أو التأثير، حيث تظل العلاقات مرهونة بالجوانب الاستراتيجية التي تحكمها، معتبرا أن هذه العلاقات تعتمد على قواعد وأسس مستقرة، تحكمت فيها مجموعة من الضوابط خلال العقود الأخيرة، وهذه الضوابط تُمسك بزمامها الدولة الفرنسية، بينما يتخذ المغرب موقفًا متوازنًا معها.

وأشار الشيات في تصريح لـ "بلبريس" إلى أن هناك ضوابط أخرى تحكم هذه العلاقة، مثل الكتل الداعمة لفرنسا في المغرب أو العكس، والمسألة الثقافية والحضارية، مضيفا أن الانتخابات الأخيرة التي شهدتها فرنسا، والتي أفرزت اليمين المتطرف كقوة سياسية أولى، ليست مفاجئة للمغرب، ذلك أن اليمين المتطرف يركز على السياسة الداخلية أكثر من السياسة الخارجية، حيث يولي الأولوية للدولة على حساب الاندماج الإقليمي ويهتم بقضايا الهوية والثقافة والهجرة.

ويؤكد الشيات أن العلاقات بين المغرب وفرنسا ستظل مرهونة بهذه الجوانب التقليدية، خاصة فيما يتعلق بالهجرة واللجوء، وأن هذه النقاط ستكون مدخلاً للتفاهم مع حكومة يمينية أو قد تكون عوامل ضغط تمارسها فرنسا على المغرب، خاصة فيما يتعلق بالمغاربة المقيمين في فرنسا بشكل غير قانوني.

وحسب المتحدث ذاته فإن هذا الأمر سيظل في إطار السياسة والاستراتيجية ولن يؤثر بشكل كبير على مسار العلاقات بين البلدين، لافتا إلى وجود نماذج كثيرة في أوروبا لليمين، وأن هناك توازنات حزبية في فرنسا قد تؤثر على شعبية اليمين لاحقًا، مؤكدا على ضرورة توازن السياسة الخارجية المغربية مع المكونات الحزبية والسياسية في الدول الأوروبية، نظرًا لإمكانية تولي أي جهة السلطة في تلك الدول عبر الانتخابات.

مبدأ "رابح-رابح"

واعتبر حسن بلوان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريحه لـ"بلبريس"، أن المملكة المغربية طورت آليات تعاون قوية مع جميع الأطراف السياسية في فرنسا، وأن التعاون بين البلدين قائم على أسس راسخة لا تتزعزع بتغيرات المناخ السياسي الداخلي لفرنسا.

وذكر أستاذ العلاقات الدولية، بأن العلاقات المغربية الفرنسية هي علاقات عريقة وتقليدية وتوصف بالنموذجية في التعاون بين الشمال والجنوب، خاصة في فضاء جيوستراتيجي يعرف مدا وجزرا يمثله الفضاء البحر الأبيض المتوسطي، مؤكدا على أنه "مهما كانت نتائج الانتخابات الجمهورية الفرنسية سواء الرئاسية أو التشريعية لا يمكن أن تؤثر بأي حال من الأحوال في العلاقات المتميزة والاستراتيجية بين المملكة المغربية وفرنسا".

وأوضح بلوان أن ما وقع مؤخرا في الانتخابات الأوروبية التي اكتسح فيها اليمين وأقصى اليمين الانتخابات الأوروبية خاصة فرنسا، هو شأن سياسي داخلي لفرنسا ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يؤثر على العلاقات العميقة بين البلدين.

واضاف المحلل السياسي "صحيح أن هذه العلاقات مرت بمرحلة من الجمود لكن دون أن تقطع شعرة معاوية بين البلدين، خاصة مع اقتناع النخب الفرنسية بأن المملكة المغربية هي البوابة الحصرية للدخول نحو إفريقيا والتي تعرف فيها السياسة الخارجية مجموعة من الانتكاسات"، مشددا أن "هناك اقتناع بأن المغرب لاعب أساسي في الاستقرار الإقليمي ومنصة للتبادلات الاقتصادية بين الاتحاد الإفريقي والقارة الأوروبية".

وأكد المتحدث ذاته أن المغرب قد طوّر آليات ووسائل للتعاون مع جميع الحكومات والأطراف السياسية في فرنسا، مشيراً إلى أن هناك تجارب عديدة في البلدان الأوروبية، حيث تعمقت العلاقات الاستراتيجية مع المغرب رغم وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، مثلما هو الحال في إيطاليا ودول أوروبا الشرقية وهولندا.

وأضاف بلوان أن الدبلوماسية المغربية تتميز بالواقعية والمصداقية، وتعتمد على التعاون البناء والمصالح المتبادلة بمبدأ "رابح-رابح"، وهو الضامن الوحيد لاستمرار العلاقات المغربية الفرنسية. وأكد أن النخب الفرنسية ومؤسسات الدولة تدرك أنه لا يمكن تصور علاقات استراتيجية في إفريقيا أو الفضاء المتوسطي دون المملكة المغربية.

ويذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أقدم على حل البرلمان الفرنسي وتنظيم انتخابات عاجلة، وذلك عقب اكتساح مدوي لليمين المتطرف الفرنسي خلال الانتخابات البرلمانية الأوروبية، هذه الخطوة التي اختارها ماكرون “مضطرا” يراها محللون سياسيون “مقامرة” لا يمكن التنبؤ بنتائجها، إذ أنها مفتوحة أمام احتمالات عدة.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.