في تصعيد جديد يكشف الوجه الحقيقي للنظام الجزائري كعدو لحرية التعبير وخصم شرس لكل صوت مستقل، طالبت نيابة محكمة الاستئناف بعشر سنوات سجنا نافذا وغرامة مالية قدرها مليون دينار جزائري في حق الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، بعد أن كانت المحكمة الابتدائية قد أدانته بخمس سنوات سجنا بتهمة "المساس بسلامة وحدة الوطن"، وهي تهمة فضفاضة لطالما استخدمتها السلطات لقمع المثقفين والمعارضين.
ويأتي هذا الطلب القضائي في سياق مناخ خانق للحريات بالجزائر، حيث لم تعد أجهزة الدولة تكتفي بمحاصرة الإعلام المستقل وتكميم أفواه الصحافيين، بل وسّعت من دائرة القمع لتشمل المثقفين والمفكرين، ممن يشكلون صوتا نقديا يرفض الانخراط في الرواية الرسمية القائمة على التخويف واحتكار الوطنية. ويُعد بوعلام صنصال واحدا من أبرز الأصوات الأدبية التي لم تتردد يوما في فضح تناقضات النظام وسلوكياته السلطوية، سواء في كتاباته أو تصريحاته الدولية، ما جعله عرضة لحملة ممنهجة تستهدفه كشخص وككاتب.
هذه المحاكمة، التي ينتظر أن يصدر الحكم الاستئنافي فيها في الأول من يوليوز المقبل، ليست سوى حلقة جديدة من مسلسل ترهيب النخب الفكرية، الذي بات سياسة ممنهجة في الجزائر الجديدة، المزعومة. فبدل أن تنشغل السلطة بمعالجة أزماتها الداخلية العميقة اقتصاديا واجتماعيا، تصر على تصفية الحسابات مع كل من يخرج عن بيت الطاعة، مستخدمة القضاء كأداة للانتقام السياسي.
ولا يمكن فصل هذا التطور عن السياق العام الذي تعيشه الجزائر، حيث تصاعدت الملاحقات بحق الناشطين، وازدادت القوانين الزجرية التي تقيد حرية التعبير، تحت شعارات زائفة تتحدث عن "الوحدة الوطنية" و"أمن الدولة"، في حين أن ما يجري فعليا هو تكريس لنظام أحادي الصوت، لا يقبل بالاختلاف ولا يتحمل النقد.
إن القضية تتجاوز شخص بوعلام صنصال لتطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل حرية التعبير في الجزائر، في ظل سلطة تحوّلت من خصم للمعارضة إلى خصم للكلمة نفسها، ومن نظام يدّعي الإصلاح إلى نظام يتقن صناعة الأعداء الوهميين لستر عجزه الداخلي.