لعويسي يكتب: جدل لغة التدريس بين الهواجس السياسية ولغة الحسابات

في عز ما يعرفه المشهد التعليمي من احتقان متعدد المستويات، لا زال الجدل يثار حول "مشروع القانون الإطار للتربية والتكوين والبحث العلمي"، وتحديدا حول"لغة تدريس" المواد والتخصصات العلمية والتقنية، التي بدت كفرس متمرد كل جهة تحاول تطويعـــه وإحكام السيطرة عليه، واقتياده وفق رؤى ومرجعيات خاصة غارقة في الأنانية المفرطة .

جدل أبان بما لايـدع مجالا للشك، أن قضايـا الأمة والملفات الإستراتيجية للوطن، لازالت أسيرة منطق الهواجس السياسية، ولغة الحسابات وعبث الربح والخسارة .. لغة تدريس بدت كمعركة حامية الوطيس ذات خطط "تكتيكية" صارمـة و متباينة، تجعل مستقبل الوطن ومستقبل الأجيال القادمة، رهين رؤى  ضيقة تنتصـر للمصلحة الخاصة أكثر من انتصارها للوطن وقضاياه المصيرية.

ودون الوقوع في مستنقع الجدل اللغوي، لامناص من القول أن لغة التدريس الحقيقية، هي لغة الصراحـة والوضوح، لغة الابتعاد عن الأنانية المفرطة والخروج من عبث الحسابات السياسوية الضيقة، وتــرك الخلافات والهواجس جانبــا، لما يتعلق الأمر بمناقشة قرارات، أو قوانين "استراتيجية" تهم جميــــع المغاربة وترهن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم لسنوات.

لغة الشفافية  والتحلي بروح المسؤولية، وعدم العبث بقضايا الأمة، والتعامل مع القوانين والقرارات التي تهم مصير الأمة، بمواطنة واعية ومسؤولة وبـــرؤية متبصــرة، لا مصلحة تعلو فيها على مصلحة الوطن.

لغة التدريس التي نريد، هي لغة المكاشفة، والانكباب العاقل والمسؤول على معالجة المشاكل الحقيقية التي تتخبط فيها منظومة التربيـة والتكوين، التي تحتاج اليوم إلى ثــورة حقيقية قادرة على تغيير وجه المدرسة العمومية وانتشالها من طنجرة الاحتقـــــان.

لغة التدريس الحقيقية، هي الجرأة في نفض الغبار عـــن المناهج المتهالكة والبرامج المتجاوزة وإعادة الاعتبار للشغيلة التعليمية وتمكينها من نظام أساسي عصري ومحفز يعبر عن جميع التطلعات، والتعجيل بإيجاد حلول منصفة للاحتقان المرتبط بما أضحى يعرف بأزمـة التعاقد، وإنصاف مدرسة عمومية ضاقت ذرعا من الاحتجاجات والإضرابات.

لغة التدريس الحقيقية، هي الجلوس على طاولة الحوار والإنصــات إلى بعضنا البعض وبناء جســــــور الثقة المفقودة بيننا، والقبول ببعضنا البعـــــض بدون تمييز أو تعالي أو إقصــاء، والتفكير الجماعي في اتخاذ القرارات الشجاعة والجريئـــة القادرة على تذويب جليد الاحتقان.

ومن يختزل الأزمة الشائكة للتعليم في "لغة التدريس"، كمن يحـــاول إخفاء شمس الحقيقة بالغربال، ومن يحصر "اللغة" بين خندقي "الحكومة" و"المعارضة" أو ينتصر لطرح لغوي "غير بريء" دون طرح لغوي آخر، فهو يكرس التشرذم ويعمق هوة الجدل ويسهم في بلورة قرارات وقواعد قانونية حاملة لمفردات الارتباك والرفض والاحتجاج، لذلك، لامناص من تجاوز الحسابات السياسوية الضيقة استحضارا للمصلحة العليا للوطن، والجنوح إلى التشاور والتوافق من أجل -ليس فقط- هندسة لغوية متوافق عليها، ولكن من أجل التأسيس لعدالة لغوية تضع جميع التلاميذ المغاربة على قدم المساواة ..

واللغة في جميع الحالات ما هي إلا وسيلة تواصلية، ولا يمكن مقاربتها ولا معالجتها، بمعزل عن "رؤية " إصلاحية واضحة المعالم تستهدف المناهج والبرامج والوسائل الرقمية والفضاءات المدرسية والرأسمال البشري الذي يعد أس الإصلاح وأساسه، وأي رهان على "لغة تدريس" خارج "إصلاح حقيقي" ،كمن يحاول إخفاء الندوب والجروح بمساحيق التجميل، التي سرعان ما تزول مع إشراقة شمس الصباح، وهي فرصة للتأكيد، على أن القرارات والقضايا الإستراتيجية للأمــة، لابد أن يفتح بشأنها نقاش وطني، من أجل تنزيل تشريعات متينة يتحقق من خلالها "الأمن القانوني"، ولايمكن تركها رهينة أهواء السياسييــن.