بقلم: محمد عبد الله بكار
فاعل سياسي – الداخلة
في سياق التحولات المتسارعة التي يعرفها المشهدان الوطني والإقليمي، يأتي خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، ليجدد التأكيد على الثوابت الوطنية، ويقدم في الوقت ذاته قراءة دقيقة لمكامن القوة ومواطن التحدي في المسار التنموي للمملكة.
وبوصفي فاعلا سياسيا من جهة الداخلة – وادي الذهب، ومواطنا معنيا بشكل مباشر بالرهانات التنموية والاندماجية التي تعيشها الأقاليم الجنوبية، فإنني أرى في هذا الخطاب السامي وثيقة استراتيجية ذات أبعاد متعددة، ترقى إلى مستوى خريطة طريق لتصحيح الاختلالات، وتحقيق عدالة مجالية حقيقية، وتكريس مغرب الجهات الفعلي.
لم يقتصر الخطاب الملكي على إبراز المنجزات، بل اختار، بجرأة ومسؤولية، تسليط الضوء على التحديات البنيوية، وفي مقدمتها الخصاص المسجل في البنيات التحتية والمرافق الأساسية بعدد من المناطق، وعلى رأسها العالم القروي، داعيا إلى تعبئة شاملة لكافة الفاعلين، من مؤسسات منتخبة وإدارات ترابية وقطاع خاص، بهدف إرساء قواعد تنمي أكثر توازنا وإنصافا، تضع المواطن في صلب الاهتمام، وتفتح آفاقا جديدة أمام الفئات الهشة والشابة على حد سواء.
ورغم الإكراهات الموضوعية التي فرضتها الظرفية المناخية، خاصة توالي سنوات الجفاف، إلى جانب التحديات الاقتصادية الإقليمية والدولية، فقد أكد جلالة الملك أن الاقتصاد الوطني لا يزال يظهر مؤشرات إيجابية، سواء من حيث ارتفاع معدل النمو، أو من حيث تطور حجم الصادرات التي تضاعفت مقارنة بسنة 2014. وهي معطيات تعكس نجاعة السياسات العمومية وفعالية النموذج التنموي الجديد، الذي بدأ يعطي ثماره، لاسيما في ما يتعلق بالاستثمار المنتج والاقتصاد الأخضر.
وإذا كان الشق الاقتصادي من الخطاب قد ركز على ضرورة التوازن والعدالة المجالية، فإن الجانب السياسي والدبلوماسي لم يكن أقل وضوحا وعمقا. فقد شدد جلالة الملك مرة أخرى على أن قيام اتحاد مغاربي فعلي يظل رهيناً بانخراط مسؤول من المغرب والجزائر، إلى جانب باقي الدول الشقيقة، داعياً إلى فتح صفحة جديدة من الحوار الصريح والبنّاء لتجاوز الخلافات، بما يخدم المصالح الاستراتيجية للشعبين الشقيقين و لشعوب المنطقة بشكل عام،
وفي السياق ذاته، جدد جلالته التمسك الراسخ بمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتبارها الإطار الجاد والواقعي الوحيد لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، في إطار من التوافق والمسؤولية. وقد تعزز هذا الطرح بدعم دولي متزايد، حيث انضمت المملكة المتحدة والبرتغال مؤخراً إلى قائمة الدول التي تعبر صراحة عن تأييدها للمقترح المغربي، تأكيداً على مصداقيته وجديته، وتماشيا مع رؤية المجتمع الدولي لحل دائم وقابل للتطبيق.
ونحن، أبناء جهة الداخلة – وادي الذهب، ندرك تماما أن المرحلة الراهنة تتطلب، أكثر من أي وقت مضى، تعبئة جماعية شاملة تسير على نهج من سبقونا من الآباء والأجداد، الذين ناضلوا من أجل استكمال الوحدة الترابية. واليوم، نحن معنيون بنفس القدر من الالتزام والمسؤولية بتحقيق رهان التنمية الشاملة والمستدامة، وترسيخ موقع الجهة كقطب اقتصادي إفريقي، ومنصة استراتيجية للربط القاري جنوب-جنوب.
إن خطاب العرش لهذا العام لا يُعد فقط خطابا توجيهيا، بل يمثل محطة تقييمية دقيقة ومفتوحة على المستقبل، تستوجب منا كفاعلين ومواطنين العمل الجاد، والانخراط الواعي والمسؤول في تنزيل الأوراش الكبرى التي دعا إليها جلالة الملك، وعلى رأسها ورش العدالة المجالية، وربط التنمية بالإنصاف الترابي والعدالة الاجتماعية.