يغرق الاستثمار في قطاع العقار والبناء بالبيضاء في مزيد من القرارات العشوائية والمساطر الغامضة وسوء الحكامة والتدبير والتنسيق بين الوزارات والإدارات والمصالح ذات صلة بقطاع حيوي يشكل رافعة من رافعات الاقتصاد الوطني، ومحركا لرؤوس الأموال ومناصب الشغل.
وحسب يومية الصباح يواجه قطاع الإنعاش العقاري أسوأ مراحله منذ سنوات، في غياب رؤية واضحة على المستويين المركزي والجهوي، وتضارب التصورات والمصالح، في المجالات التي لها صلة بمواكبة التطور العمراني للمدينة والتخطيط الحضري وتحيين تصاميم التهيئة وتعديلها، واحترام آجال الحسم في ملفات الاستثمار، ناهيك عن التعقيدات التقنية والإدارية التي تواجه تنزيل المشروع الملكي لمدن بدون صفيح.
ونبهت نفس المصادر إلى مخاطر الانهيار الوشيك لقطاع بأهمية قصوى على مستوى الاستثمار والتشغيل وانخراط القطاع الخاص وتحريك منظومات الإنتاج والتموين والتصنيع، مؤكدة أن مشروع دعم السكن، بالصيغة الغامضة التي أعلنت عنها وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، لم يكن سوى البداية لمسلسل الانهيارات القادمة.
وأوضحت المصادر نفسها أن إدارات رسمية لها علاقة بالاستثمار في مجال العقار والبناء تتشبث بفهم خاص للقانون في تدبير منظومة الرخص والاتفاقيات والعقود في مجالات السكن المعروضة، كما تتشبث برؤية أحادية في التعاطي مع المشاريع والملفات المودعة لديها، وتنتظر الإجراء الإداري.
وقالت المصادر نفسها إن الوكالة الحضرية بالبيضاء، بشكلها الحالي، أضحت مصدر إحباط لعدد من الفاعلين في القطاع، مؤكدة أن أصحاب ملفات ومشاريع يبحثون عن إجابات واضحة عن الجهة التي تتحكم اليوم في المدينة، وتلوي عنق القوانين والمساطر ذات الصلة، بل ترفض تطبيق توجيهات ملكية تضمنتها خطابات رسمية.
وحث جلالة الملك في خطاب العرش لـ2018 على إخراج عدد من الأوراش لتسهيل مساطر الاستثمار وتفادي تعطيل مصالح المستثمرين والمواطنين وإغراقهم في التماطل المولد للسلوكات الأخلاقية المشينة.
ومن بين الإجراءات التي طالب جلالة الملك بتسريع العمل فيها، إعادة النظر في منظومة القرار داخل لجان التراخيص والموافقة على المشاريع، إذ تم إقرار الموافقة على القرارات بأغلبية الأعضاء الحاضرين، عوض الإجماع الذي كان معمولا به، وتجميع كل اللجان المعنية بالاستثمار في لجنة موحدة، لوضع حد للعراقيل والتبريرات التي تدفع بها بعض القطاعات الوزارية.
وحدد الخطاب الملكي أجل شهر لعدد من الإدارات للرد على الطلبات المتعلقة بالاستثمار، مع التأكيد على أن عدم جوابها داخل هذا الأجل، يعد بمثابة موافقة من قبلها، كما لا ينبغي أن تطلب أي إدارة عمومية من المستثمر وثائق أو معلومات تتوفر لدى إدارة عمومية أخرى، إذ يرجع للمرافق العمومية التنسيق فيما بينها وتبادل المعلومات، بالاستفادة مما توفره المعلوميات والتكنولوجيات الحديثة.
وإذا كانت التوجيهات الملكية والقوانين المؤطرة لقطاع الإنعاش العقاري واضحة، حسب منعشين عقاريين وأصحاب شركات ومستثمرين، فما سبب وجود هذه الفجوة الكبيرة بالعاصمة الاقتصادية بين التشريع والممارسة؟
وأوضحت المصادر نفسها أن بعض الفاعلين في القطاع وصلوا حدا لم يعد يعرفون فيه أين يبدأ القانون بهذه المدينة، وأين ينتهي، ومن يطبقه بالضبط، وما هاهي المساطر المعتمدة في لحظة من اللحظات، ولماذا يستغرق التداول في ملف ثلاثة أشهر ويذيل بعدد كبير من الملاحظات والملاحظات اللاحقة، بينما يسير ملف مشابه إلى نهايته بسرعة قياسية، في إطار “فهم تصطا».