التواصل السياسي الحالي لزعماء الأحزاب خطر على المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة
د.ميلود بلقاضي
المتتبع لتواصل الأحزاب السياسية في الآونة الأخيرة يشعر بالحسرة لاعتقاد زعماء الأحزاب السياسية ان كل سياسة هي تواصل، وكل تواصل هو سياسة. وسياق هذا القول هو ما يعرفه المشهد الحزبي مؤخرا من تبادل اتهامات متبادلة حول القفة الرمضانية وهو ما لا يليق باستثنائية اللحظة، الأمر الذي أعاد للواجهة مسالة التواصل السياسي عند النخب وتأثيرها على المحطات الانتخابية المرتقبة.
تواصل عكس مستوى ثقافة الفاعلين السياسيين ووعيهم السياسي لكون التواصل السياسي كينونة سياسية تتحول مع الفاعل السياسي الى آليات اما ترفع شأن السياسة ونخبها أو تحط من قيمتهم جميعا.
ويشهد تاريخ التواصل السياسي عند النخب المغربية ونقاشاتها السياسية العمومية - حتى في أحلك المراحل- انه لم يصل الى مستوى ما وصل اليه التواصل السياسي اليوم من انحطاط ومن رداءة واتهامات خطيرة، مما جعل المواطن يتساءل: من المسؤول عن هذا الانحطاط وهذه الرداءة ؟ الى أين تتجه النخب السياسية بالتواصل السياسي؟ كيف وصل التواصل السياسي الى هذا المستوى؟ لماذا غابت الأناقة اللغوية وحلت معها اللغة الشعوبية؟ وهل رداءة التواصل السياسي الحالي هي جزء من رداءة الزمن السياسي المغربي الراهن ذاته.؟ ومن رداءة مؤسساته ونخبه؟ وهل قضية القفة الرمضانية اهم من تحديات العملية الانتخابية ومن مغرب ما بعد كورونا؟ ومن تنزيل النموذج التنموي الجديد؟ ومن الجهوية المتقدمة؟؟
أسئلة كثيرة وحارقة اخرى تطرح ، لذلك دعوني اعترف أنني أشعر بالحزن والحسرة والخوف حين أتابع ما تنشره وسائل الإعلام خصوصا الإلكترونية منها من اتهامات خطيرة متبادلة بين زعماء الأحزاب، اتهامات صادمة بلغة نرجسية ومنحطة وسياسوية رديئة .
تواصل سياسي فاقد لاي حس سياسي، لغته غارقة في مأزق الارتباك، تواصل فقد معه الفكر السياسي كل مرجعياته الاخلاقية وآليات منهجيته التحليلية، فقدت معه السياسة رقيها ونبلها وجاذبيتها.
ولسنا بحاجة ان نبرهن على ما نقول ،فنوعية تواصل زعماء الأحزاب السياسية خير دليل . الامر الذي جعل ازمة القيم التواصلية ان تكون هي العنوان الأبرز للتواصل السياسي بالمغرب. والأكيد أن نزول التواصل السياسي إلى هذا المستوى يبرهن على عدم وعي الفاعل السياسي بخطورة التواصل السياسي في حالات الاستثناء، بل انه يعكس عدم اقتناعه – بعد- باستحالة ممارسة السياسة دون تواصل سياسي راق وأنيق ومسؤول لكون التواصل السياسي في فضاء السياسة وخصوصا في الزمن الانتخابي له تداعيات خطيرة على الرأي العام.
لاقتناعنا على ان عالم السياسي هو عالم التواصل، هذا التواصل الذي يبقى –في كل الحالات – مؤثرا و متأثرا بطبيعة النظام السياسي القائم بنخبه وبمؤسساته الدستورية والسياسية. ولعل هذا التأثر/ التأثير هو ما يجعل من التواصل السياسي مرآة حقيقية لنوعية المستوى السياسي للنخب.
وعليه، لا يمكن للتواصل السياسي تجاوز مستوى النخب السياسية وطبيعة المؤسسات الدستورية القائمة وعلاقاتهم بالسياق العام ، فهو يظل -في كل الحالات- خاضعا لمنطقه ولشروطه ، مما يحتم على التواصل السياسي أن يتفاعل مع هذا السياق، هذا الاخير الذي وصل الى درجة لا تحتمل من العبث السياسي، تحول معه التواصل السياسي الى تواصل أزمة أخلاقية وسياسية وتعاقدية فاقدا للحد الأدنى لأسس العقلانية ولمبادئ الديمقراطية، بل ان هذا العبث السياسي الذي يعيشه المغرب فيه الكثير من المؤشرات على ان السياسة والتواصل السياسي الممارسين اليوم بالبلاد هما في مأزق انطولوجي عميق.
والاكيد ان مستوى التواصل السياسي عند زعماء الأحزاب سيزداد رداءة وانحطاطا كلما اقترب موعد اجراء الانتخابات، لكونهم غير واعين بخطورة تأثير التواصل السياسي في المجال السياسي, ومن ثم في الفضاءات العمومية، لانهم غير مدركين كون التواصل السياسي هو الوجه الآخر للسياسة،وانه لن يحذق في السياسة ويمارس سلطاتها من لم يتقن قواعد التواصل السياسي و وسلطاته.
لانه في الوقت الذي كان المواطن ينتظر فيه رقيا على مستوى التواصل ليكون في مستوى اللحظة الاستثنائية التي يمر بها المغرب، ها هو يصدم يوميا بتواصل سياسي سياسيوي رديئ ، الامر الذي جعله يستنتج بان هيمنة انحطاط التواصل السياسي الحالي ليس بظاهرة عابرة بل انه يجسد نسقا فكريا وبنية مجتمعية قائمة، وبمعنى آخر أن انحطاط التواصل السياسي هو انعكاس لشروط انتاجه ولمستوى نخبه كما يؤكد ذلك بيير بورديو. (P.BOURDIEU
ومن المؤسف – اليوم- ونحن نعيش قرن الاعلام والمعرفة ان أغلبية النخب السياسية المغربية ما زالت لا تفهم ان التواصل السياسي هو شكل من أشكال العمل السياسي يصعب تطويره بدون توفر الفاعل السياسي على تنشئة وثقافة سياسية ديمقراطية صلبة، و تشبع بالأخلاق السياسية والتزام بالتواصل الديمقراطي ، وهذه احد أسباب تدني التواصل السياسي اليوم في زمن سياسي اقل ما يوصف بالزمن الرديئ بكل المقاييس.
وتشير العديد من الأبحاث والدراسات ان استمرار الفاعلين السياسيين في إنتاج التواصل السياسي الرديئ والتراشق بالألفاظ الساقطة وتبادل التهم المجانية والتشكيك والتخوين والتجريم والتجريح والضرب تحت الحزام يعد اخطر ما يهدد الخيار الديمقراطي المغرب، ويهدد كل الاوراش الاصلاحية الكبرى التي يعيشها . أنه احد افتك أدوات قتل السياسة وانتحار الفاعل السياسي ذاته ،واخطر آليات وتمييع مجال السياسة لان ما وصل اليه التواصل السياسي من الرداءة والانحطاط غير مسبوق في التاريخ السياسي المغربي بعد ان
اعتقد الشعب المغربي -مع الدستور الجديد- ان زمن الطوباوية التواصلية قد ولى، لكن الواقع المعيش يؤكد ان هذه الطوباوية قد تقوت عند النخب الحالية وأصبحت الوجه الأبرز للتواصل السياسي خصوصا في زمن هيمن عليه فاعلون سياسيون متفننون في التواصل الشعبوي الماكر.
ولهؤلاء نقول ، أن للثقافة السياسية المغربية حساسية بالغة اتجاه التواصل السياسي ذا الرقي اللغوي حتى في أشد لحظات الأزمات وأحلها، فلن تكونوا انتم مرجعية للتواصل السياسي المغربي لان له مرجعيات هي : لغة تواصل محمد بن العربي العلوي وعبد الخالق الطريس ومحمد بن الحسن الوزاني والمختار السوسي والمكي الناصري وابو بكر القادري وعلال الفاسي و المهدي بن بركة عبد الرحيم بوعبيد عابد الجابري واليوسفي وبوستة حيث قمة الوعي باهمية التواصل في مجال السياسة، وقمة المعرفة العميقة بضوابط التواصل السياسي وقوانينه ارتقت معهم السياسة الى قمة السمو اللفظي والدلالي ..لذى اقول حذاري من الاستمرار في تلويث التواصل السياسي بعد تلويث العمل السياسي لان التكلفة ستكون باهظة لكون التواصل السياسي هو صانع الحدث والفاعل في السياسة والموجه للراي العام والمهذب للذوق التواصلي العام.
رئيس المرصد المغربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية