عملية تكرس عدم تكافؤ الفرص..التعليم عن بعد لن يعوض الدروس الحضورية

قرر المغرب على غرار باقي دول العالم، تعليق الدراسة في المؤسسات التعليمية لمنع تفشي فيروس كورونا بالمملكة، منتصف مارس الماضي، مشددا في الوقت نفسه على استمرار الدراسة عن بعد لجميع الطلبة والتلاميذ، بالاستعانة بوسائل التواصل الحديثة، من قبيل التلفزيون العمومي والأقسام الافتراضية ومواقع الأنترنت التابعة للوزارة.

وفور الإعلان عن استمرار الدراسة عن بعد، قامت هيآت التدريس في المغرب، بعدة مبادرات من أجل تقريب الدروس من الطلبة والتلاميذ المغاربة، سواء بواسطة فيديوهات مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو المواقع التعليمية التي خصصتها وزارة التربية، أو قناة الرابعة المغربية، وقناة تمازيغت.

ومر الآن أكثر من شهرين على انطلاق “التعليم عن بعد” في المغرب، الأمر الذي أعطى مساحة زمنية لعدد من المتتبعين لتقييم الوضع، وهي التقييمات، التي جاء بعضها إيجابيا والآخر سلبيا، إلا أن الجميع متفق على ضرورة استثمار هذه التجربة في المستقبل، والاستفادة من أخطاء الماضي.

 

لم يعوض التعليم الحضوري

 

كشفت دراسة أكاديمية أن التعليم عن بعد لم ينجح، بعد أسابيع قليلة من اعتماده من قبل الجامعات بالمملكة، في تعويض الدراسة الحضورية، خاصة أن التعليم العالي يعتمد على الطالب بالدرجة الأولى، وجهوده في البحث، فيما يبقى الأستاذ مؤطرا ويزود الطالب بمنهجية العمل، وإن لم يستطع التعليم عن بعد تعويض التعليم الحضوري في الجامعات فكيف يمكن تعويضه في المستويات الابتدائية والإعدادية والثانوية.

وأفادت هذه الدراسة الوطنية التي أجراها فريق من أساتذة الجامعات المغربية تحت عنوان “الاستمرارية البيداغوجية والتعليم عن بعد في فترة الحجر الصحي”، أن 61,5 من المدرسين يعتقدون أن التعليم عن بعد لم ينجح في أن يحل محل الدراسة الحضورية، وأن 57 في المائة من الطلاب لا يرغبون في تتبع مثل هذه الدروس في المستقبل.

كما سجلت الدراسة أن الطلاب غير راضين عن تجربة التعليم عن بعد المفروضة في سياق الأزمة الصحية (كوفيد-19)، في ما أعلن اثنان من المدرسين من أصل ثلاثة أنهم راضون عموما عن تجربتهم خلال هذه الفترة من الحجر الصحي. وفي ما يتعلق بالصعوبات التي يواجهها التعليم عن بعد، فإن الأغلبية أي 78 في المائة من المدرسين، و65.4 في المائة من الطلبة، أبرزوا مشاكل الربط بالانترنيت، والتي تعتبر شرطا ضروريا لإنجاح هذا النوع من التعليم.

ومن بين العوائق الأخرى ، تشير الدراسة ، إلى العجز الملحوظ من حيث التفاعل بين المدرسين والطلبة، وعدم وجود مقاربات وأساليب مشتركة بين أعضاء هيأة التدريس. يشار إلى أنه تم إجراء هذه الدراسة بين فاتح ماي و12 منه على عينة تمثيلية من 200 أستاذ و1340 طالبا موزعين على عدة جهات، حيث قادها باحثون من كليات للحقوق والمدرسة العليا لأساتذة التعليم التقني بالمحمدية، والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالقنيطرة، وتروم الدراسة تقييم مدى رضا الطلاب والأساتذة ودرجة تكيفهم مع نظام التعليم عن بعد الذي تم اعتماده في إطار الطوارئ الصحية السارية حاليا بالمملكة.

 

الحاجة إلى التجويد

 

قبل إعلان سعيد أمزازي، نهاية الموسم الدراسي الحضوري، باشر سلسلة من المشاورات مع الهيآت النقابية، سواء في قطاع التربية الوطنية أو التعليم العالي، من أجل استشارتهم بخصوص سيناريوهات السنة الدراسية، ورأيهم في إجراء الامتحانات وغيرها من النقاط. وقالت معظم النقابات التي تمت استشارتها إنها متشبثة بإتمام السنة الدراسية، كما أنها أجمعت على ضعف مردود التعليم عن بعد، فرغم تثمينها العملية باعتبارها تجربة أولية، إلا أن البعض رفض الاعتماد عليها في تقييمات التلاميذ، لأنها تكرس مبدأ عدم تكافؤ الفرص بين التلاميذ.
وبعد اجتماع مكتبها التنفيذي، أكدت نقابة الاتحاد المغربي للشغل، تشبثها أيضا بضرورة إتمام السنة الدراسية الحالية، التي تزامنت مع تفشي فيروس كورونا المستجد، “وفق سيناريوهات تضع الجوانب النفسية وسلامة المتعلمات والمتعلمين وتكافؤ الفرص بينهم فوق كل اعتبار”.
وطالب المكتب التنفيذي للجامعة الوطنية للتعليم، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، في بلاغه، الحكومة بضرورة صياغة سيناريوهات إتمام السنة الدراسية الحالية، في إطار مقاربة تشاركية بين وزارة التربية الوطنية وكل المتدخلين في القطاع التعليمي، إذ انتقدت معظم النقابات الطريقة المعتمدة من قبل الوزارة في تعاطيها مع الوباء، إذ لم تشرك باقي المتدخلين في تدبير الأزمة والبحث عن الحلول.
ودعت النقابة ذاتها رجال التعليم إلى المشاركة في النقاش حول مستقبل السنة الدراسية الحالية، بكل مسؤولية وجدية، ضمن مقاربة تواصلية مع مسؤولي الجامعة الوطنية للتعليم، من أجل بلورة تصور مشترك يخدم التلميذ والمنظومة التربوية على حد سواء، مجددة مطالبتها بتسوية الملفات المطلبية لكل الفئات التعليمية.

ومن جانبها، نبهت النقابة الوطنية للتعليم، التابعة للكنفدرالية الديمقراطية للشغل، من عواقب التسرع في عودة التلاميذ إلى المؤسسات التعليمية، دون ضمان شروط السلامة الصحية، للتلاميذ والمدرسين والإداريين، كما حذرت من المغامرة بتحويل المؤسسات التعليمية إلى بؤر أخرى لانتشار الوباء، لكن في النهاية قرر الوزير وضع حد لكل هذه التدخلات، إذ قرر إنهاء السنة الدراسية، تفاديا لعواقب غير محسوبة.