2019 سنة على وشك ان تغادرنا بما حملت من احداث اجتماعية وسياسية، صراعات حزيبة، تغيير حكومي، احتجاجات ومآسي، في هذا الحوار مع الاستاذ والباحث والمحلل السياسي د عتيق السعيد، اختارت بلبريس ان تناقش حصيلة السنة سياسيا واجتماعيا على مدار12 شهرا.
شهدت سنة 2019 مجموعة من المتغيرات السياسية، والأحداث التي كانت نقاش الرأي العام الوطني ماهو تقييمكم لحصيلة للأداء الحكومي على مدار العام ؟
بتقييم للأحداث السياسية التي شهدتها سنة 2019 يمكن القول ان العمل الحكومي واجه مجموعة من التحديات المرتبطة بالحد من الفوارق الإجتماعية وتفعيل الاوراش الوطنية.
بتتبع مسار التدبير السياسي على مدار العام يتبين ان منسوب الأداء الحكومي ضل متذبذب ان لم نقل عرف حالة من الجمود، تطغى عليه النقاشات والاهتمامات الهامشية دون التركيز حول القضايا الرئيسية التي قدمتها الوثيقة الدستورية، في مقدمتها تعزيز الإنتقال الديمقراطي المقترن بدستور 2011 وتنزيل مبادئه على أرض الواقع بغية تجويد الخدمات العمومية المقدمة للمواطن، وبالتالي طفى للسطح السياسي طغيان الصراعات الايدلوجية المفضية الى نقاشات شعبوية بين الأطراف السياسية تلميعا من عدمه للمرحلة الانتخابية المقبلة، وبالتالي هذا الفراغ على مستوى التفعيل المستدام والٱني للمشاريع والبرامج التنموية خلق بالنسبة للمواطن مساحة للنقاشات حول تصريحات المسؤولين المثيرة للجدل وغيرها جدير بالذكر أن الحكومة واجهت وربما ستواجه في ما تبقى من عمرها بمجموعة من التحديات ولعل أبرزها وعنوان هاته المرحلة هو التناغم والتفاعل بين التكنوقراط والسياسي، فالتعديل الحكومي جاء في سياق المرحلة التي تعرف أزمة ثلاثية الأبعاد، اجتماعية، سياسية، اقتصادية، وبالتالي كان مستلزم وبشكل ضروري تلقيح الحكومة بفئة التكنقراط لما برهنت عليه من فعالية في تاريخ المغرب السياسي، لكن الوضع الحالي يبرهن على أن الأحزاب السياسية ضعيفة في حاجة لتغيير العقليات وتمكين الشباب وتركيز الجهود على أدوارها ومن أبرزها الإنصات و الوساطة بين المجتمع والمؤسسات، وهو ما ضل مشوش جراء المناكفات السياسية داخل المؤتمرات، وبتتبع التقارير السنوية لمجموعة من المؤسسات الدستورية الاستشارية التي تقدم تقييم دقيق للأداء الحكومي، تبرهن هي الأخرى بشكل واضح على أن الأداء الحكومي لم يرقى لإنتظارات المواطن على مختلف المستويات.
طيب في هذا السياق السياسي وبما أن الإدارة العمومية تعتبر الأداة المحورية في تفعيل الإصلاحات ماهو تشخيصكم للواقع الإداري ؟
على مستوى إصلاح الادارة العمومية ضلت الإدارة الأكثر مواجهة الانتقادات، سواء بالخطب الملكية او بنبض الشارع ومنه فمخرجات الإدارة العمومية ضلت هزيلة في نهج الإصلاح الإداري الذي لم يرقى إلى مواكبة التغيرات السياسية والاقتصادية بالدولة، بحيث أن الاختلالات التي تعرفها الإدارات، خلقت فجوة كبيرة بمسار الأداء الحكومي، لآن الإصلاح الحقيقي للإدارات العمومية هو ذاك الإصلاح الذي يسير بنفس سرعة الإصلاح السياسي بشكل متوازي، على اعتبار ان ضعف النجاعة والفعالية الإدارية يشكل أكبر رافد للسخط الشعبي، وبالتالي يعيق ترسيخ الانتقال الديمقراطي، كما يتبين أن الحكامة الإدارية ضلت غائبة في مخططات التنفيذ، مما زاد من تفاقم الأزمات الاجتماعية بشكل مستمر، كما كشفت التناقض الذي أصبح واضحا بين مسار الانتقال الديمقراطي، والمفاهيم التي جاء بها دستور 2011 ، وبين الواقع الإداري، الذي يشكل القاعدة الهرمية لرضا المواطن عن العملية السياسية الحزبية، وهذا امر طبيعي فبتتبع مسارات الديمقراطيات العريقة في العالم، يوضح أنها كانت مسارات للتأهيل، اشتغلت وبشكل متواز على مستويين إثنين المستوى السياسي والإداري، لأن الادارة تبقى حاضنة لتفعيل لاي مشروع تنموي، ولن يستقيم الا بنجاعتها وفعاليتها.
ماهو تقييمكم للوضع الاجتماعي بالمغرب وما يعرفه من اتساع رقعة الفوارق الإجتماعية وهل استطاعت سنة 2019 الخروع من هاته الازمة المجتمعية؟
على المستوى الإجتماعي، ولاسيما ما شخصته الخطب الملكية من فوارق إجتماعية، والنموذج التنموي الجديد التي قدم هندسته جلالة الملك للحد منها وتجويد نمط عيش المواطن، يمكن القول أن الحكومة لم تستطع بعد وضع مقترحات للتفعيل الواقعي وبالتالي ضلت تنتظر توصيات المؤسسات الدستورية أو الخطب الملكية، فالحكومة تستلزم التسريع في الصلاحيات لبلورة نماذج تنموية و مشاريع لتقليص رقعة الفوارق الاجتماعية، هذا الوضع يعتبر المحرك الأساسي لوعي المجتمع وحركيته خارج الشوارع، فأسباب اتساع رقعة الفوارق الاجتماعية مردها أسباب مختلفة لعل أبرزها ضعف جودة التعليم والصحة، بالإضافة الى عوائق مرتبطة بإصلاح الادارة العمومية وما يعرفه ورش الجهوية المتقدمة من تعثر التفعيل السليم وفق طموح الوثيقة الدستورية. أيضا لابد من الإشارة إلى أن فشل المخططات التنموية ساهم بشكل كبير في عدم إيجاد بديل لها وهذا دور النمودج التنموي الجديد.
وبما أن التنمية الاجتماعية بالمغرب عملية جد معقدة نظرا لما تشكله من نسق فضفاض غير محدود الإطار تتداخل فيه مجموعة من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ومختلف القطاعات عام وخاص كما يعرف تعدد في المتدخلين والفاعلين، فلابد من أن تنهج الحكومة برنامج وطني عاجل وأن تسعى إلى التسريع في وثيرة الإصلاحات الشاملة لمجموعة من القطاعات، فالبطء في التنزيل للأوراش جعل المخططات التنموية خلال السنوات الأخيرة تعرف فشلا متباينا نتيجة أزمات مختلفة وجدت أسبابها في ضعف مردودية الحكومات والمؤسسات سواء على المستوى التقني التدبيري أو على المستوى الإداري والمالي وأيضا عدم تأقلم ومسايرة السياسات الاجتماعية المتبعة من لدن البرلمان مع التحولات التي يعرفها الاقتصاد الوطني سواء الداخلي أو الخارجي.
شكلت 2019 التفكير في اوروتش تنموية بديلة للتجويد الوضع الاجتماعي، وأيضا تبني اوراش مستدامة ستعرف النور عما قريب, ما هو أبرز ورش رسم مسار سنة 2019؟
حقيقة هناك اوراش ومشاريع كثيرة ستعرف التفعيل في السنة المقبلة وبالتالي يصعب التفضيل فيما بينها لكن على مستوى الاوراش الوطنية على مدار العام شكل خطاب جلالة الملك الأخير بمناسبة الذكرى 44 للمسيرة الخضراء أبرز ورش تنموي في 2019 الذي شدد على تفعيل الجهوية المتقدمة باعتبارها الاطار المناسب لمعالجة الفوارق بين مناطق المملكة.
يعتبر مشروع الربط السككي بين مراكش وأكادير الذي أثاره جلالة الملك في خطابه السامي أبرز ورش تنموي خلال هاته السنة لما سيساهم في تقليص الفجوة بين المساحات الجغرافية كما أن الأمر سيتعدى ماهو متعلق بتقليص المسافات ليصبح كربط تجاري يسير بين المدينتين جلالة الملك وضع رهان اليوم موجها رؤيته المتبصرة نحو تفعيل الجهوية المتقدمة بإعتبارها الإطار الملائم لمعالجة الفوارق بين مناطق المملكة لبلورة مخطط ترابي ناجح يسد الثغرات التي تركها التقطيع الجهوي السابق
فمشروع الربط السككي بين مراكش واكادير سيعمل على تقليص الفجوة بين المساحات الجغرافية ومدة الوصول إليها، والأكيد أن المشروع لا يركز فقط على نقل العنصر البشري من سياح وعمال وتجار ومستثمرين، لكن سيتعدى ذلك من خلال ربط تجاري يسير بين المدينتين، حيث أننا نتحدث عن مدن كبرى بمؤهلات مميزة اقصد السياحة و الاستثمارات الفندقية، وبالتالي فالأكيد أن التقسيم الحالي للجهوية قدم أيضا نماذج من ما يسمى بالقطبية التنائية، بمعنى أن وجود قطبين إقتصاديين متكاملين مراكش-اكادير سيقودان القاطرة التنموية للجهات معا.
بناء على ما تقدم فالجهوية المتقدمة تعتبر ورش مفتوح يتقاطع فيه كل ماهو تنموي اقتصادي واجتماعي, على اعتبار أن الربط بين المدن مثلا مراكش واكادير سيساهم ليس فقط في تنميتهما بل اكثر من ذلك سيشكل تنمية شاملة للجهات معا.