التعديل الحكومي المرتقب بين حضور الكفاءات وغياب المناخ السليم والارادة السياسية

كثر الكثير من الكلام حول التعديل الوزاري المرتقب، وكأن التعديل الحكومي هو هدف  بذاته في حين انه وسيلة تفرضها أسباب ذاتية وموضوعية في ترابط  مع قرار رئيس الدولة، لذلك فقبل الحديث عن أي تعديل حكومي مرتقب وجب  توضيح الأمور التالية:

التعديل الحكومي مطلب ملكي وليس مطلبا حكوميا:

قرار جلالة الملك بإجراء تعديل حكومي  جاء في وقته بعد الفشل النسبي للأغلبية الحكومية الحالية في نهج سياسات عمومية اكثر نجاعة واكثر تأثيرا على المستوى المعيشي للمواطن رغم انتقادات جلالة الملك للسياسات العمومية  الحكومية منذ 2016.

هذه الحكومة التي فضل زعماء احزابها التطاحن في ما بينهم وخوضهم حروب انتخابات سابقة لأوانها  ضدا لمضامين الخطابات الملكية وضد الاختصاصات  الدستورية المخولة للأحزاب.لذلك فمن المرتقب ان يلعب القصر دورا حاسما في التعديل الحكومي المرتقب .اولا نظرا لدور الملك المركزي في الدستور المغربي. ثانيا لكون هذا التعديل جاء بطلب ملكي في حين كان رئيس الحكومة العثماني ووزراء حكومته يشيدون بعمل الحكومة وبحقائبهم الوزارية وكانوا على يقين بانهم باقون الى نهاية الولاية الحكومية الحالية أي الى سنة 2021 ، وهذا سر ارتباك رئيس الحكومة والأحزاب المشكلة للأغلبية وعجزهم على عقد حتى اجتماع فما بينهم بعد الخطاب الملكي الذي فاجأهم وهذه طامة كبرى تؤكد تيه الأغلبية الحكومية.الامر الذي دفع ببعض الباحثين يرددون بأن تيه رئيس الحكومة وزعماء احزاب الأغلبية وصمتهم الفصح عن اليات التعديل الحكومي المرتقب قد يكون من وراءه التفاوض في ما بينهم -بصمت- على كيفية إعادة توزيع الكعكعة الحكومية والحقائب الوزارية على أساس المصالح والتموقعات خدمة لأجندة  2021 في تعارض مع مضمون الخطاب الملكي الذي طلب بتعديل حكومي اسسه الكفاءة والنجاعة والفاعلية والتجربة والمبادرة والمواطنة.

 التعديل الجزئي والتعديل الموسع:

يسود شبه غموض حول نوعية التعديل المرتقب، هل سيكون جزئيا اي تعديلا محدودا يمس كتاب الدولة وبعض الحقائب الوزارية ذكرها الخطاب الملكي،ام سيكون تعديلا شاملا سيمس عمق تشكيلة الحكومة الحالية خصوصا بالنسبة للوزارات ذات البعد الاجتماعي.لذلك يمكن وضع اكثر من سيناريو في التعديل الحكومي المرتقب. قد يكون جزئيا و سيمس بعض القطاعات الحكومية وكتاب الدولة وفي هذه الحالة نتسائل: كيف ستقبل الأحزاب المشاركة في الحكومة هذا التعديل؟ وكيف سنميز بين الوزير الناجح في قطاعه والاخر الفاشل فيه؟ من سيكون له سلطة التغيير وسلطة الاقتراح؟ وكيف سيدبر رئيس الحكومة هذا الامر مع زعماء الأحزاب السياسية؟ .اما اذا ما كان تعديلا حكوميا شاملا فمن اين سينطلق وأين سينتهي ؟ هل سينطلق من حزب العدالة والتنمية وسينتهي عند حزب التقدم والاشتراكية؟ هل سيمس هذا حزب التجمع الوطني للأحرار ؟ هل سيدفع هذا التعديل بخروج حزب أغلبي للمعارضة؟وما تأثير ذلك على استمرار انسجام  حكومة العثماني؟ من هم الوزراء المحظوظين الذين سيبقون في مناصبهم ومن منهم سيغادر الحكومة؟ وما هي المعايير؟

 التعديل الكمي والتعديل الكيفي:

تطرح مسالة التعديل بالأنظمة الدمقراطية قضية التعديل الكمي والتعديل الكيفي.وعليه هناك غموض حول نوعية التعديل الحكومي المقبل ، هل سيكون تعديلا مراهنا على الكم أي على تقليص عدد الوزراء وحذف كتاب الدولة لتصبح حكومة العثماني مصغرة باقل عدد من الوزراء وبالتالي باقل تكلفة مالية، ام ان التعديل سيراهن على الكيف أي على كيفية اختيار الوزراء وتحديد معايير منها  الكفاءة والتجربة والفعالية والخبرة والحياد والنجاعة.  لكن في كلا الحالتين سواء كان التعديل الحكومي المرتقب تعديل كم او تعديل كيف فان الأمور لن تكون سهلة امام العثماني الذي سيواجه مقاومة كبيرة من كل زعماء الأحزاب المشاركة في الحكومة الحالية، بل بضغوطات حتى من حزبه ، الامر الذي من الممكن احداث  بلقنة حكومية قد تدفع ببعض احزاب الاغلبية الخروج للمعارضة.

بين التعديل التكنوقراطي والتعديل السياسي:

لم  يتفق العديد من الباحثين والسياسيين منذ خطاب عيد العرش الأخير حول نوعية التعديل الحكومي المرتقب هل سيكون تكنوقراطيا أي بنخب غير مسيسة أي بنخب تكنوقراطية، اوتعديلا سياسيا أي بنخب سياسية منتمية للأحزاب اوخليطا بين وزراء سياسيين ووزراء تكنوقراطيين لضمان  فاعلية العمل الحكومي وتكامله تماشيا مع معالم النموذج التنموي الذي سيعين جلالة الملك رئيس لجنته نهاية هذا الشهر او بداية الشهر المقبل، لذلك كل الافتراضات تبقى واردة.

التعديل الحكومي الناجع بحاجة لإرادة السياسية حقيقية :

يعرف الكل طبيعة النظام السياسي المغربي حيث تلعب المؤسسة الملكية كسلطة تنفيذية فيه أدوارا حاسمة في تشكيل الحكومات وفي التعديلات الحكومية، وعليه فمصير أي تعديل حكومي يبقى مرتبطا بتوفر إرادة سياسية حقيقية عند كل مكونات النظام السياسي المغربي وفي مقدمتها الأحزاب السياسية التي عليها ان تتوفر على ارادة سياسية حقيقية لاخراج تعديل حكومي في خدمة المواطن وليس في خدمة مصالحه وخدمة مصالح قوى الريع الاقتصادي والسياسي ولوبيات الفساد.

وعليه، فحضورالإرادة السياسية التكتيكية وغياب الإرادة السياسية الاستراتيجية عند كل الفاعلين سيجعل من التعديل الحكومي المرتقب مجرد تعديل شكلي ليس الا،الهدف منه تحديد معالم شكل الخريطة السياسية ترقبا لاستحقاقات 2021 ومن سيقود حكومتها.

التعديل الحكومي بحاجة لمناخ سليم:

تؤكد كل نظريات ومدارس علم السياسة ان الأساسي عند الانظمة الديمقراطية ليس في اتخاذ القرارات بل في توفير المناخ السليم لاجرأة هاته القرارات بمشاركة كل الفاعلين. صحيح المغرب سيعرف تعديلا حكوميا حدد جلالة الملك معالم معاييره،لكن ذلك لا يكفي بدون ان تتحمل الدولة والحكومة والأحزاب والمواطن  توفير شروط المناخ السليم لجعل الحكومة المقبلة اكثر فاعلية واكثر نجاعة انطلاقا من اقتراح وتعيين الوزراء المؤهلين الى تركهم في أمان لممارسة اختصاصاتهم الدستورية بعيدا عن ضغوطات قوى الفساد والريع السياسي والاقتصادي  وتدخلات ما يسمى ‘’بالدولة العميقة ‘’واتزام المواطن القيام بحقوقه وواجباته، ودفع الاعلام القيام بمهامه المهنية بعيدا عن خدمة الاجندات وتبخيس العمل الحكومي وتمييع العمل الساسي النبيل.

على كل، جميع الأنظار تتجه نحو التعديل الحكومي المرتقب سواء كان جزئيا او موسعا، سياسيا كان او تكنوقراطيا،كميا كان او كيفيا. لكن المواطن العادي لا يهتم بكل هاته التفاصيل ما يهمه ان يرى أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية تتحسن، وأبناءه يدرسون في مدارس عمومية لا تختلف عن المدارس الخصوصية ،وان يجد مستشفيات عمومية تقدر صحته ويرى أبناءه غير عاطلين ويشعر بالأمن وبالامان،وان يرى قضاء عادلا يحميه من البطش ومن الظلم ،وحكومة تحميه من الفقر والحاجة والهشاشة والتهميش ، وان يشعر بانه يعيش في وطن تتساوى فيه الفرص وتتوفر فيه شروط العيش الكريم، وتحترم فيه الكرامة الإنسانية،وتتوزع فيه الثروات بعدالة وباستحقاق كما اكد ذلك جلالة  الملك في اكثر من خطاب.

هذا هو ما يهم المواطن من التعديل الحكومي المرتقب، وهذا ما يهدف اليه جلالة الملك من التعديل الحكومي المرتقب ويريده لشعبه، اما الباقي فكله تفاصيل لا تهم الا النخب.