قدم رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، قراءة واضحة لطبيعة الخلاف القائم بين الأغلبية والمعارضة بشأن تفعيل لجان تقصي الحقائق، مؤكدا أن هذا النقاش “لا ينبغي أن يتحول إلى مزايدة إعلامية”، لأن الإطار المنظم لهذه الآلية “دستوري ومحصن بالقانون التنظيمي”.
وشدد الطالبي العلمي، الذي حل ضيفا على برنامج نقطة إلى السطر، على أن جزءا من المعارضة يتهم الأغلبية بعرقلة اللجان، غير أن هذا الاتهام بحسب تعبيره “لا يستقيم دستوريا ولا سياسيا، لأن تشكيل هذه اللجان ليس قرارا تتخذه الأغلبية لإرضاء المعارضة أو العكس، بل هو آلية تخص المجلس كمؤسسة تشريعية، وتخضع لمساطر مضبوطة.
وأوضح رئيس مجلس النواب أن المعارضة من حقها أن تقدر سياسيا أن موضوعا ما يستحق لجنة تقصي الحقائق، لكن بالمقابل تحتفظ الأغلبية أيضا بحقها في تقديرٍ سياسي مغاير، معتبرا أن “التقديرات تختلف، ولا يمكن لأي طرف أن يلزم الآخر بمواقفه”.
وفي رده على سؤال حول سبب عدم انخراط المعارضة في بعض اللجان، قال الطالبي العلمي إن الأمر في النهاية “مسألة نصاب”، مشيرا إلى أن المشرع لم يحصن لجان التقصي من باب التعقيد، بل من أجل حماية قيمتها، حتى لا تتحول إلى آلية يومية تفعل عند كل نقاش سياسي، مضيفا: “القانون التنظيمي وضع عددا محددا حتى لا تُفقد هذه اللجان وزنها ومكانتها”.
ولفت إلى أن النقاش الحقيقي حول لجان تقصي الحقائق لا يدار في الجلسات العامة أو أمام الكاميرات، بل داخل المؤسسة، بين كل مكوناتها، “بنقاش مسؤول يسبق أي اتفاق حول موضوع اللجنة”، وهو، في نظره، السبب الذي يجعل معظم التجارب البرلمانية، في المغرب وخارجه، تتجه إلى تشكيل لجان توافقية وليس صدامية.
وذكر الطالبي العلمي كذلك بأن تقارير هذه اللجان تحال مباشرة على القضاء إذا ثبت وجود خروقات أو معطيات غير قانونية، وهو ما يجعلها آلية شديدة الحساسية وذات تبعات، وليست مجرد ورقة ضغط سياسي.
واختتم رئيس مجلس النواب توجيه النقاش نحو جوهره الدستوري، مؤكدا أن تفعيل لجان تقصي الحقائق ليس ساحة لتبادل الاتهامات، بل مسطرة مؤطرة بقانون تنظيمي واضح، تُمارس داخل المؤسسة وليس خارجها، وعلى أساس تقدير سياسي مشروع لكل طرف داخل البرلمان.