عند حلول شهر رمضان الفضيل، يستبشر العديد من المغاربة خيرا، ويستعدون روحيا ومعنويا للصوم والتسامح والتقرب لله تعالى، فيما ترتعد فرائص البعض الآخر، وتتحول كل ساعة في 30 يوما من شهر رمضان إلى جحيم معاش، ففئة ليست بالهينة من المغاربة –حسب إحصائيات غير رسمية تفيد بأن المغرب ثاني بلد عربي من حيث عدد الملحدين – لا تصوم رمضان لأسباب عقائدية، في ظل عدم تقبل المجتمع وزجرية القوانين، إذ أن تجريم الإفطار العلني وضع يخص المغرب عن باقي بلدان شمال إفريقيا.
شباب مغاربة ملحدون، من مختلف المدن المغربية، اختاروا التجمع افتراضيا عبر مجموعات وصفحات فيسبوكية، لمشاركة مشاكلهم اليومية مع أسرهم أو المجتمع، يسردون مشاكلهم الأسرية وأسرارهم الأكثر حلكة، ويطلبون النصح من بعضهم البعض، ومن أهم المشاكل التي تطرح قبل قدوم شهر رمضان بزمن طويل، كيف سيفطر من يسكن مع أبويه أو مع زملاء مسلمين خلال رمضان".
"ميرندينا ورايبي" في "طواليط".. وجبات رمضان
عينان غائرتان وصوت رخيم داخل جسم ممشوق، هكذا يبدو سفيان (23 سنة) الذي تحمس للحديث عن تجربته مع الالحاد ورمضان،" معاناتنا كبيرة بالتأكيد، لا العائلة يتقبلون اختلافك وحريتك في اختيار المعتقد الذي تريده، ولا المجتمع يتركك تعيش الحياة كما اخترتها أنت، ضغط رهيب نعيشه يوميا في رمضان فقط".
وعن كيفية تناول وجباته، قال سفيان الذي يقطن ببيت والديه بسلا ويدرس بالجامعة بالرباط " مع الأسف لازلت أقطن مع أسرتي المحافظة، وبغياب الإيمان الذي كان يجعلني أتحمل الجوع والعطش أصبح الأمر صعبا، حاولت الصيام كالعديد من أصدقائي الملحدين الذين يرضون غرور المجتمع الذي لا يقبل الاختلاف، لكنني تساءلت يوما لما علي الانسياق، وفي الأخير اخترت أن أتناول "رايبي وميرندينا" في "طواليط"، وحالي هاذي أتقاسمه مع العديد من الشباب للأسف".
عندما أفطر فأنا لا أؤذي أحدا وصمت عن الأكل فقط مرارا وتكرارا
خوفا على مشاعر والديها وأختها، تضطر صفاء (34 سنة) إلى التظاهر بالصيام والورع في رمضان، رغم أنها لم تصم رمضان لخمس سنوات، ولم تتوانى هذه السيدة في الحديث عن وضعيتها " لست مسلمة وانا لاأدرية منذ 8 سنوات تقريبا، لم أصم أول ثلاث سنوات الأولى وأنا طالبة أدرس بعيدا عن أهلي، لكنني عندما تزوجت أخفيت معتقداتي، لتشبت زوجي بالصوم كركن أساسي من أركان الإسلام، وكان هذا خطأ كبيرا، لأنه مع مرور الوقت اكتشفت أنا اختلاف الأيديولوجيات والمعتقد خلق هوة كبيرة بيننا... كنت أتظاهر بالصوم، وبعد سنتين من الزواج انفصلنا وانتقلت لبيت أهلي لتستمر معاناتي مع حلول شهر رمضان، فقد حاولت الصيام عن الأكل فقط مرارا وتكرارا ".
"عندما أضبط وانا آكل ابتسم وأنا أمسك ببطني لأهيمهم بأني حائض"، تقول صفاء بلهجتها الطنجية، وهي تداعب شعرها الأشقر وتمط شفتيها " لا أفهم كم النفاق والضغط الذي يفرضه المجتمع المغربي علينا، يقولون إن الصيام لله لكنهم يحاسبون البشر عليه، نحن لا نؤذي أحدا فلما يتدخل الأخرون باستمرار في حياتنا، ربما أنا محظوظة لأن لدي غرفة بمنزلي في طابق لا يزوره والدي كثيرا، أحظى ببعض الخصوصية، فماذا عمن لا يمتلكون مكانا يحميهم من أنياب المجتمع المفترسة".
مشكل الإفطار في رمضان قائم لدى الشباب الذي يعيشون مع أسرهم
وقال مراد لمخنتر الباحث السوسيولوجي المغربي، في تصريح ل "بلبريس" إن" النقاش حول قضية المجاهرة بالإفطار في رمضان انطلق سنة 2009 مع "حركة مالي" ومنذ تلك الفترة دأب أعضاء الحركة والشباب اللذين يتفقون مع أفكارهم في الاحتجاج والمطالبة بإلغاء الفصل 222.
المشكل في هذه القضية ليس القانون، يقول الباحث، حيث شهدنا في السنوات الأخيرة تفادي السلطات المغربية تنفيذ الحكم والسجن وذلك نظرا للضغوطات التي تتلقاها من طرف المجتمع الدولي، بل المشكل في الرأي العام حيث أن جل الاعتقالات التي حصلت في حق المجاهرين بالإفطار تمت بمساعدة المواطنين حيث تتم محاصرة مقترف الفعل واستدعاء الشرطة.
وأكد لمخنتر أن "القانون مدعوم من طرف المواطنين باعتبار الخروج عنه جريمة تمس بمشاعرهم وتنتهك حرمة رمضان. بالنسبة للشخص الذي لا يصوم ويتوفر على منزل خاص به يستطيع الإفطار في المنزل بدون مشاكل، المشكل بالنسبة للشباب الذي يعيشون مع أسرهم حيث من الصعب عليهم الإفطار، وبالنسبة للذين يعملون طيلة النهار فهم يضطرون للنفاق الاجتماعي ويتناولون وجباتهم بسرية تامة، فحتى المطاعم النادرة التي تفتح أبوابها في نهار رمضان لن تستطيع خدمتهم بحكم القانون، حيث تتم خدمة الأجانب غير المسلمين والأطفال، والنساء بحكم العذر الديني المفترض الذي يسمح لهم بالإفطار.
واختتم لمخنتر كلامه بالتطرق للحلول" أعتقد أن الحل يكمن في التربية على التسامح مع الآخر المختلف، والتركيز على تربية الأجيال الصاعدة على أن الممارسة الدينية هي ممارسة اختيارية وأن الإيمان لا يمكن أن يزعزعه شخص يفطر أو لا يمارس نفس الشعيرة، فالمسلم الذي يعيش في أوروبا والغرب عموما يصوم ضمن شعوب غير مسلمة، كما أن دول الجوار وهي أيضا شعوب مسلمة لا يوجد فيها هذا القانون ولا يجرم الشخص المفطر جهارا، فلماذا لا يستفز المسلمون هناك؟".