إلكانو 2025: المغرب يراهن على القوة الناعمة في نظام دولي متحوّل

في سياق دولي يشهد تحولات عميقة في خريطة العولمة، جاءت النسخة الجديدة من “مؤشر الحضور العالمي” الصادر عن معهد “إلكانو” الإسباني لتكشف عن تموقع المملكة المغربية ضمن المشهد العالمي، محتلة المرتبة 52 من أصل 150 دولة شملها التصنيف برسم سنة 2025.

ووفق المعطيات الصادرة عن المعهد، فإن المؤشر سجّل تراجعًا عامًا في مستوى الحضور العالمي للدول بنسبة 1.4 في المائة، بفعل انكماش البُعد الاقتصادي، في مقابل تحسّن نسبي في الحضور العسكري وعودة خجولة لعناصر القوة الناعمة.

المغرب، رغم هذا التراجع العالمي، حافظ على حضور متوازن يقوم على الانفتاح الاقتصادي والتقاطع الثقافي والدبلوماسي، إذ حصد 37.7 نقطة موزعة على 15.2 نقطة في البعد الاقتصادي، و9.1 في البعد الناعم، و13.4 نقطة في البعد العسكري، ما يكرّس صورة المملكة كفاعل متعدّد الأبعاد يراهن على القوة الناعمة والانخراط الدولي أكثر من التمدد العسكري.

ويوضح التقرير أن الأداء الاقتصادي المغربي يعكس دينامية عقود من الإصلاحات والتوجهات الاستراتيجية، سواء من حيث تنويع الشركاء التجاريين، أو تعزيز البنيات التحتية والربط اللوجستي مع الأسواق الأوروبية والإفريقية. هذا، إلى جانب الاستقرار السياسي الذي شكّل رافعة مهمة لجذب الاستثمارات وتعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني.

وفي ما يخص البعد الثقافي والدبلوماسي، أشار التقرير إلى أن المغرب راكم مكاسب معتبرة في توظيف أدوات القوة الناعمة، من خلال برامج التبادل الجامعي، والانخراط في المنظمات الإقليمية والدولية، وتوسيع تمثيليته الدبلوماسية في إفريقيا وآسيا. كما ساهمت المبادرات الثقافية والروحية في تعزيز صورته كدولة منفتحة ومعتدلة.

في المقابل، يبقى الحضور العسكري المغربي محدودًا، وهو ما يعكس توجهًا استراتيجيا يقوم على عدم التدخل العسكري خارج الحدود، والاكتفاء بالمشاركة في بعثات حفظ السلام وتدعيم المقاربة الأمنية متعددة الأطراف، خصوصًا في قضايا الساحل والصحراء.

وعلى المستوى الدولي، كشف المؤشر عن تراجع الصين لأول مرة منذ بداية الألفية، مقابل حفاظ الولايات المتحدة على صدارة الحضور العالمي، وتقدّم كل من روسيا والهند واليابان. أما على مستوى الاتحاد الأوروبي، فقد سجلت إسبانيا التقدّم الأبرز، مستقرّة في المركز 13 عالمياً، وسط تراجعات متفاوتة لباقي الدول الأوروبية.

وفي تحليله للمعطيات الجيوسياسية، يخلُص التقرير إلى أن العالم يتجه نحو تعددية قطبية غير متجانسة، تتسم بتقاطع المصالح وتصادم الرؤى، في ظل عودة السياسات الحمائية، وتراجع الثقة في النظام التجاري متعدد الأطراف. ويؤكد أن العولمة بصيغتها النيوليبرالية الكلاسيكية تشهد نهايتها، لصالح نموذج أكثر واقعية يثمّن السيادة الاقتصادية والمصلحة الوطنية.

بالنظر إلى هذا السياق المتغير، يجد المغرب نفسه أمام مفترق طرق بين الفرص والتحديات. فموقعه الجغرافي، وتقاطعه مع أوروبا وإفريقيا، يؤهّله ليكون منصة إقليمية اقتصادية وخدماتية. غير أن الاستفادة من هذا الموقع تتطلب تعزيز قدراته الصناعية، وتثمين رأسماله البشري، والاستثمار في التكنولوجيا والمعرفة، لتحقيق نقلة نوعية نحو اقتصاد ذي قيمة مضافة أعلى.