في ظل ارتفاع منسوب الانتظارات الاجتماعية وتعاظم رهانات العدالة الصحية، يعود النقاش حول السياسات العمومية في قطاع الصحة إلى واجهة الجدل السياسي بالمغرب. فبين وعود إصلاحية كبرى وواقع يومي يرزح تحت ضغط الخصاص واللامساواة، تتخذ المساءلة البرلمانية طابعًا يتجاوز التقييم التقني للمنجزات، ليصبح مناسبة لقياس المسافة بين الخطاب الرسمي وتطلعات المواطنين.
الاختلالات المزمنة التي يعاني منها القطاع، من نقص الموارد البشرية إلى هشاشة البنية التحتية، تعيد تشكيل النقاش حول مدى قدرة الحكومة على تنزيل نموذج الدولة الاجتماعية بشكل فعّال ومنصف. وفي هذا الإطار، تبرز مواقف المعارضة كصوتٍ معبّر عن القلق الشعبي، لا سيّما في ظل التحديات المالية والاجتماعية التي تحيط بورش التغطية الصحية الشاملة.
من هذا المنطلق، لا تنحصر مداخلات المعارضة في انتقاد السياسات القطاعية فحسب، بل تتجاوزها لطرح أسئلة جوهرية حول أولويات التدبير العمومي، وعمق الالتزام السياسي تجاه الفئات الهشة، ومصداقية الخطاب الرسمي أمام امتحان الواقع.
عبد الرحيم شهيد:السياسات الصحية الحكومية فوقية ومفصولة عن معاناة المغاربة اليومية
شنّ عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، هجوماً لاذعاً على رئيس الحكومة، خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب، اليوم الإثنين، متّهماً إياه بالفشل في الوفاء بالوعود المعلنة لإصلاح المنظومة الصحية، واعتبر أن مشروع « الدولة الاجتماعية » الذي تتبناه الحكومة لم يلامس بعد الواقع.
شهيد وصف السياسات الصحية الحكومية بأنها « فوقية ومفصولة عن معاناة المغاربة اليومية »، مشيراً إلى استمرار العجز الكبير في الخدمات الأساسية، وغياب الأثر الملموس للبرامج على الأرض، رغم الشعارات المطمئنة التي ترددها الجهات الرسمية.
وسرد النائب الاشتراكي سلسلة من التعهدات التي لم ترَ النور بعد ثلاث سنوات من عمر الحكومة، منها: تعميم البطاقة الصحية الذكية، تحسين شروط العمل داخل المستشفيات العمومية، مراقبة الحمل، وتوفير سيارات إسعاف مجهزة. واعتبر أن هذا الفشل في التنفيذ يفاقم أزمة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
وفي سياق متصل، نبّه شهيد إلى تأخر إخراج النصوص التنظيمية للقانون الإطار 06.22، مما أدى إلى تعطيل إصلاحات مؤسساتية حاسمة، من قبيل إحداث الهيئة العليا للصحة، وتنزيل نموذج مجموعات الصحة الترابية، ووكالات الدم والأدوية.
على مستوى التمويل، حمّل الحكومة مسؤولية استمرار الأسر في تحمّل أكثر من نصف نفقات العلاج، بسبب ضعف الدعم العمومي، وارتفاع أسعار الأدوية، وانخفاض نسبة التغطية الصحية، حيث أشار إلى أن نحو 38% من السكان لا يشملهم نظام التغطية الإجبارية بعد.
شهيد دقّ ناقوس الخطر بشأن الموارد البشرية، متحدثًا عن عجز يتجاوز 30 ألف طبيب و65 ألف ممرض، وتوزيع مجالي غير عادل للأطر الطبية، وهجرة مقلقة للكفاءات. كما انتقد هيمنة القطاع الخاص على التمويلات الصحية، مشيرًا إلى أن المصحات الخاصة تستهلك الجزء الأكبر من التأمين الصحي، رغم أنها لا تمثل سوى ثلث القدرة الاستشفائية.
وفي ملف الصحة النفسية، كشف عن وضع مأساوي يتجلى في وجود 1725 سريرًا فقط على المستوى الوطني، ونقص حاد في الأطر المختصة لا تتجاوز نسبتهم 1% من مهنيي الصحة.
وختم شهيد مداخلته بسلسلة من التساؤلات الاستنكارية عكست عمق الإحباط الشعبي: « أين الكرامة حين تضطر امرأة حامل لامتطاء دابة للوصول إلى مستشفى؟ أين الكرامة حين لا يجد مريض بالسرطان موعداً إلا بعد ستة أشهر؟ ».
وأكد أن هذا الواقع الصحي لا يعكس لا العدالة ولا الإنصاف، متهماً الحكومة بتغذية التفاوتات وتهديد السلم الاجتماعي، مطالباً بإجراءات ملموسة، لا وعودًا متكررة.
محمد أوزين: معضلة المغرب ليست الجفاف ولا حرب أوكرانيا، بل ‘الفراقشية'”
محمد أوزين، عضو الفريق الحركي بمجلس النواب، قال مخاطبا أخنوش: “وزير في حكومتكم (فوزي لقجع) صرّح بأن الدواء ما بين التصريح الجمركي والصيدليات يقفز ثمنه بـ300 في المئة”، عادا أن “هذا الكلام يحتاج تحقيقا”، وزاد: “الاستنتاج الوحيد الذي لدى المغاربة اليوم هو أن معضلة المغرب ليست الجفاف ولا حرب أوكرانيا، بل ‘الفراقشية'”.
ولاحظ أوزين، في كلمته باسم فريقه، “توجه الحكومة إلى رفع يدها بشكل تدريجي عن قطاع الصحة، بحيث يتم تفكيك الإدارات اللاممركزة للوزارة وتحويل اختصاصاتها إلى المجموعات الصحية الترابية، بمعنى الانتقال من القطاع العام إلى مؤسسة عمومية ذات استقلال مالي”، متسائلا: “كيف سنضمن تمويل هذه المجموعات، علما أن القانون المؤطر لها يتحدّث عن الهبات وإعانات الدولة؟”.
وأورد المتحدث منبها: “مررنا من الميزانية المخصصة إلى الإعانات”، وتساءل أيضا: “كيف ستُوزعون هذه الإعانات؟ هل حسب الخصاص الجهوي أم حسب الجهات المحظوظة؟”، وزاد محذّرا:
“بكل صدق فهمنا أمرا واحدا هو أننا أمام استنساخ نظام الأكاديميات الجهوية في التعليم؛ حيث قلتم إنكم رسمتم المتعاقدين، وهذا غير صحيح، بل رسمتم التعاقد”.
رشيد حموني: المواطن ينتظر سنوات للعلاج.. والحكومة تغض الطرف
اعتبر رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، أن غياب المراقبة على القطاع الصحي الخاص، وتضخم فواتيره، واستنزافه لصناديق الحماية الاجتماعية، كلها عوامل تهدد بفشل مشروع التغطية الصحية الشاملة، مشددا على أن الفشل في معالجة هذه الاختلالات سيؤدي حتما إلى فشل المشروع.
وقال حموني، إن فواتير القطاع الخاص غير مبررة، ولا تخضع لأي مراقبة حقيقية، مضيفا "لا يمكن الحديث عن نجاح في غياب المراقبة، لأن غيابها يؤثر على الصناديق، ويؤثر على الخدمات، ويؤثر على ثقة المواطنين".
وأوضح أن المواطن يخاف من هذا الوضع، لأن هناك استنزافا وتضخيما للفواتير، وبروتوكولات علاجية تعطى في القطاع الخاص دون أن يحتاجها المريض، مبرزا أن الدليل على ذلك هو أن 90 في المئة من الملفات المرجوعات تأتي من القطاع الخاص، وأنه ليس هناك بروتوكول علاجي موحد بين القطاعين العام والخاص.
ودعا إلى إعادة توجيه الدعم الذي تمنحه الحكومة للاستثمار في العيادات والمصحات الخاصة نحو المناطق النائية، كي يجد المواطن نفس الخدمات أينما كان.
وفي السياق ذاته، أكد حموني أن مصاريف العلاج التي يتحملها المواطن لا تساوي 50 في المائة كما تدعي الحكومة، بل تبلغ 63 في المائة، معتبرا أن هذا عبء كبير على الأسر.
وأضاف "اليوم تتحدثون عن كرامة المواطن، فهل من الكرامة أن ينتظر سنة أو سنتين لإجراء عملية؟ وهل من المعقول أن تظل عملية جراحية على القلب مؤجلة لسبع سنوات؟ وتابع هناك من يحتاج إلى فحص "السكانير" وينتظر ثلاثة أشهر أو أكثر؟
واعتبر حموني أن المشكلة لا يتمثل في بضعف الموارد المالية، وإنما بطريقة صرفها، مضيفا أن الحكومة أبدت سخاء مع الفراقشية، وتسامحت مع كبار المضاربين والمحتكرين، وغضت الطرف عن مئات الملايين من الدراهم التي يمكن تحصيلها من مكافحة التهرب الضريبي واقتصاد الظل، والتخلي عن الإعفاءات غير ذات المصلحة العامة.
وأكد أن الفساد يكلف المغرب أزيد من50 مليار درهم، وهي نفس الكلفة السنوية للتغطية الصحية.
ومن جانب آخر، عبر رئيس الفريق النيابي عن تفاجئه من مضمون عرض رئيس الحكومة، قائلا اليوم تفاجأت، كل شيء جميل أمامكم، لا نفهم هذا الخطاب.
وأضاف نستغرب من الفرق البرلمانية التي تصف واقع الصحة في جلسة رئيس الحكومة بأنه على أحسن ما يرام، لكنها في المقابل تمرر وزير الصحة من الصراط، أغلبية ومعارضة، عند مساءلته في البرلمان.
وأوضح حموني أن الحق في الصحة، إلى جانب كونه حقا إنسانيا ودستوريا، يرتبط بمفهوم الدولة الاجتماعية، وهذا المفهوم ينبغي أن ينبني على قناعة فكرية، لا أن يرفع كشعار من أجل التسويق السياسي.
و شدد حموني على أنه كان ينتظر من رئيس الحكومة أجوبة واضحة حول 8 ملايين ونصف شخص خارج التغطية الصحية، وعن مؤشر الاستفادة من الدعم الاجتماعي، وعن الفوضى التي يعيشها القطاع الصحي الخاص.
مصطفى إبراهيمي:أخنوش بدد المال العام.. وشركات أدوية بيد أقارب وزراء
وجه مصطفى الإبراهيمي، عضو مجموعة العدالة والتنمية بمجلس النواب، اتهامات ثقيلة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، قائلا إنه "بدد المال العام"، و"أغرق ورش الحماية الاجتماعية في الديون"، واتهمه كذلك بـ"المساهمة في إفلاس المستشفى العمومي"، و"تدمير الصناعة الدوائية الوطنية"، و"التراجع عن مدخول الكرامة".
وأكد الإبراهيمي، أن الحكومة لم تحترم الأجندة الملكية" في تنزيل هذا الورش الحيوي.
وعرض الإبراهيمي ما وصفه بـ"التهم الأربع" الموجهة للحكومة ورئيسها عزيز أخنوش، مستهلا إياها بتهمة "تبديد المال العام"، حيث قال مخاطبا رئيس الحكومة إن "الـ17 مليار درهم التي أشرتم إليها في مجلس المستشارين، إلى جانب موارد أخرى مخصصة للتغطية الصحية، يتم توجيه ما بين 70 إلى 80 في المائة منها إلى القطاع الخاص".
وأضاف أن "هذا مال عمومي لا يوجه للمستشفى العمومي"، قبل أن يستدرك قائلا "وإن كنا نتحدث عن ميكانيزمات، فإن ما يجري هو عملية ممنهجة، فيها سبق إصرار وترصد عبر الصفقات، ولهذا وصفتها بالتهمة".
وفي تهمته الثانية، قال الإبراهيمي إن رئيس الحكومة "ساهم في إفلاس المستشفى العمومي"، مشددا على أن "المؤسسات الصحية العمومية تحرم من الموارد المالية"، مستشهدا في هذا الصدد بما ورد في الحساب الوطني الذي أعده وزير الصحة سنة 2024، والذي أفاد بأن 7.3 في المائة من الموارد المخصصة للتغطية الصحية هي التي تستفيد منها المستشفيات العمومية.
وتابع النائب البرلماني متسائلا "كيف تريدون أن تترك المستشفيات؟ ما يقع اليوم هو هجرة وتهجير ممنهج للمرضى نحو القطاع الخاص، حيث أصبحت نسبة الملء تصل لـ60 في المائة، في مقابل نزيف كبير في القطاع العمومي".
أما التهمة الثالثة، بحسب الإبراهيمي، فتمثلت في "سعي رئيس الحكومة إلى تدمير الصناعة الدوائية الوطنية"، معتبرا أن الحكومة عوض أن تدعم هذا القطاع، اختارت في إطار قانون مالية 2025 إلغاء الرسوم الجمركية على الأدوية المستوردة، وهو ما يشجع الاستيراد على حساب الإنتاج المحلي، مضيفا "هل هذه هي تشجيع الصناعة الوطنية؟
وزاد متسائلا "أين هي السيادة الدوائية التي دعا إليها جلالة الملك؟"، ليردف قائلا: "لا يمكن تحقيق السيادة الوطنية من خلال الاستيراد، خصوصا في ظل تضارب المصالح داخل الحكومة، حيث يوجد أقارب وأصهار لأعضاء فيها يستثمرون في شركات الأدوية".
وبخصوص التهمة الرابعة، اعتبر الإبراهيمي أن الحكومة "تراجعت عن الالتزام بمدخول الكرامة، مشيرا إلى أن ما أعلنت عنه بخصوص تخصيص 1000 درهم شهريا للمسنين فوق 65 سنة، لم يتم تفعيله.
وفيما يخص تمويل ورش الحماية الاجتماعية، نبه الإبراهيمي إلى أن الحكومة "تعتمد على الديون في غياب الاستدامة"، موضحا أن "اللجوء إلى قروض من البنك الدولي، والبنك الإفريقي، واليابان، إلى جانب ضعف الاشتراكات، يزيد من هشاشة المنظومة، ويؤكد غياب الاستقرار المالي".
فاطمة التامني: القطاع الصحي بالمغرب تحول إلى تجارة
قالت فاطمة التامني النائبة البرلمانية عن “فدرالية اليسار الديمقراطي” إن الحق في الصحة موجود فقط في خطابات الحكومة وليس له أثر على أرض الواقع.
وأكدت التامني في جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، اليوم الاثنين بمجلس النواب، حول موضوع الصحة، أن القطاع الصحي في المغرب تحول إلى تجارة عنوانها البيع والشراء.
وأشارت أن الكثير من الأدوية مقطوعة ومرضى السرطان يتعذبون مرتين، إحداها بالمرض والثانية بالأدوية التي لا يجدونها.
ولفتت إلى أن مستشفيات كثيرة بالمغرب بدون أجهزة طبية، ومواعيد تقدم للمواطنين لشهور، وهناك أجهزة بالملايير معطلة وصفقات غامضة ومشبوهة، ومستشفيات مخنوقة بالاكتظاظ، وكل هذا يدفع المغاربة دون رغبتهم إلى القطاع الخاص، ومع ذلك الحكومة لا تجد حرجا في التطبيل لإنجازات وهمية.
ونددت التامني بالتضييق الممارس على منتسبي “فدرالية اليسار” في كل أنحاء المغرب، مؤكدة أن نضال الحزب ضد الفساد سيستمر ولن ترهبه أي جهة كيف ما كانت.