سياق الخطاب : افتتح جلالة الملك خطابه بالبرلمان بتحديد سياق الخطاب الا وهو شعار "روح المسؤولية والعمل الجاد" شعار عميق الدلالة يحمل رسائل قوية الى كل الفاعلين مفادها أن الممارسة الحكومية والبرلمانية والنقابية والحزبية الراهنة تغيب فيها "روح المسؤولية والعمل الجاد" ويغلب عليها روح "اللامسؤولية"،و"العمل غير الجاد" وهي حقائق يؤكدها واقع تدبير السياسات العمومية المطبوع "باللامنطق" وباللامسوؤلية ".
مرجعيات الخطاب : خطاب جلالة الملك امام البرلمان امتداد للتوجهات والتدابير التي دعا إليها في خطاباته السابقة، خاصة في خطابي العرش وذكرى 20 غشت، من حيث دعوته التعبئة الشاملة، والعمل الجماعي، وقيام كل واحد بدوره كاملا، في ظل احترام القناعات والاختلافات، وهي المنهجية الغائبة عند الحكومة وأغلبيتها والبرلمان وفرقه البرلمانية سواء كانت اغلبية او معارضة حيث تبقى الحسابات السياسوية والتطاحنات هي سيدة الموقف.
رسائل الخطاب الملكي: رسائل متعددة موجهة لكل الفاعلين وتمثل خارطة طريق لهم اذا فهموا دلالاتها.
الرسالة الأولى لمعشر البرلمانيين : السياق يفرض نفسه على شكل ومضمون الخطاب، فلا غرابة ان تكون الرسالة الاولى موجهة للبرلمانيين سواء كانوا معارضة أو أغلبية محملا إياهم المسؤولية الثقيلة للمساهمة في دينامية الإصلاح بدل ضياع الوقت في التطاحنات والصراعات سواء بين فرق أحزاب الأغلبية اوفرق أحزاب المعارضة،صراعات ذاتية وسياسوية ضيقة تخدم مصلحة بعض الأشخاص والمؤسسات على حساب مصلحة الوطن.
ونتيجة لخطورة التطاحنات بين الفرق البرلمانية خاطب جلالته البرلمانيين ان ما يجمعهم اكثر مما يفرقهم فهم داخل البرلمان يشكلون أسرة واحدة ومتكاملة تجمعهم المصلحة الوطنية والتحديات المشتركة ، ويبقى الأهم هو نتيجة عملهم الجماعي. وفي رسالة قوية أكد العاهل المغربي انه حريص على مواكبة الهيآت السياسية، محفزا اياها على تجديد وتطوير آليات اشتغالها التي اصبحت متجاوزة ومعيقة لتطور اداءها، وتحسين التشريعات والسياسات العمومية داعيا للرفع من الدعم العمومي للأحزاب، مع تخصيص جزء منه لفائدة الكفاءات التي توظفها، في مجالات التفكير والتحليل والابتكار. وهنا نتساءل هل سيستوعب زعماء الأحزاب الموقرون عمق الرسالة الملكية ؟وهل ستوظف هذا الدعم في الاتجاه الصحيح لخلق خلايا للتفكير؟
لان هناك تخوف من ان تجعل الاحزاب مسألة الدعم هو رهانها الاساس بدل الرهان على كيفية تنزيل مضامين الخطاب الملكي الى أرض الواقع ،والتفاعل معه في سياق فقدت فيه الاحزاب الكثير من مصداقيتها خصوصا بعد سحب الاستقلال مرشحه للتنافس على رئاسة مجلس المستشارين.
الرسالة الثانية ضرورة الحفاظ على التضامن والتماسك الاجتماعي:في ظل ما يعرفه المجتمع المغربي من تحديات في سياق وطني دينامي متحرك وسياق إقليمي متغير ودولي مضطرب، راهن الخطاب الملكي على ضرورة التعبئة الوطنية، والعمل الجماعي اللذان يتطلبان توفر مناخ سليم، وتعزيز التضامن بين مختلف الشرائح الاجتماعية، والاستمرار في مسار الإصلاحات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية، من أجل تحسين ظروف العيش المشترك بين جميع المغاربة، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، مبرهنا على ذلك بكون المغرب كان وسيظل أرض التضامن والتماسك الاجتماعي، داخل الأسرة الواحدة، والحي الواحد، بل وفي المجتمع بصفة عامة.وتشير الكثير من المؤشرات ان المغرب يمر بمرحلة صعبة على مستوى قيم المواطنة والتضامن والتماساك الاجتماعي والهوية والتشبث مقدسات البلاد.
الرسالة الثالثة سواسية المغاربة امام الخدمة العسكرية: في هذه النقطة جاء الخطاب الملكي صارما واضحا حول سواسية المغاربة المعنيين، دون استثناء في أداء الخدمة العسكرية، وذلك بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم الاجتماعية وشواهدهم ومستوياتهم التعليمية. مضيفا جلالته ان الخدمة العسكرية تقوي روح الانتماء للوطن، كما تمكن من الحصول على تكوين وتدريب يفتح فرص الاندماج المهني والاجتماعي أمام المجندين الذين يبرزون مؤهلاتهم، وروح المسؤولية والالتزام ، وتحمل هذه الرسالة عدة رسائل ودلالات للبرهنة للشباب ان أداء الخدمة العسكرية سيطبق على أبناء كل الطبقات الاجتماعية ولن يسمح ملك البلاد "التلاعب" بأداء هذا الواجب الوطني.
الرسالة الرابعة تشغيل الشباب قلب اهتمام الملك: أعاد جلالته التذكير بان النهوض بتشغيل الشباب هو في قلب اهتماماته ، معتبرا أن هناك العديد من المجالات التي يمكن أن تساهم في خلق المزيد من فرص الشغل ،لكن شريطة التكوين في كل المجالات وفي مقدمتها القطاع الفلاحي يمكن أن يشكل خزانا أكثر دينامية للتشغيل، ولتحسين ظروف العيش والاستقرار بالعالم القروي بهدف انبثاق وتقوية طبقة وسطى فلاحية، وجعلها عامل توازن ورافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية على غرار الدور الهام للطبقة الوسطى في المدن.
لذا أمر جلالته الحكومة ببلورة آليات مبتكرة لمواصلة تحفيز الفلاحين على المزيد من الانخراط في تجمعات وتعاونيات فلاحية منتجة ومتابعة تكوين في المجال الفلاحي لإنصاف الفلاحين الصغار، خاصة في ما يتعلق بتسويق منتوجاتهم والتصدي الصارم للمضاربات وتعدد الوسطاء.
ومن جهة أخرى، فإن تعبئة الأراضي الفلاحية المملوكة للجماعات السلالية قصد إنجاز المشاريع الاستثمارية في المجال الفلاحي لا يمكن إلا أن تشكل رافعة قوية لتحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي وخاصة لذوي الحقوق.والأكيد من تشغيل الشباب في القطاع الفلاحي هو تشجيع الشباب للبقاء بالعالم القروي والمساهمة في التنمية المحلية.
الرسالة الخامسة فتح قطاع الصحة أمام الاستثمارات الأجنبية، في نفس التوجه الهادف للنهوض بالتشغيل، دعا جلالته لدراسة إمكانية فتح بعض القطاعات والمهن غير المرخصة حاليا للأجانب، كقطاع الصحة، أمام بعض المبادرات النوعية والكفاءات العالمية، شريطة أن تساهم في نقل الخبرات، وفي خلق فرص شغل للشباب المغربي حسب مؤهلاتهم.
ومما يزكي هذا التوجه، الاهتمام المتزايد الذي تعبر عنه العديد من المصحات والمستشفيات العالمية، المشهود لها بالتميز، من أجل الاستثمار في بلادنا.
وإذا كانت التحفيزات المغرية، تدفع بعض الطلبة للبقاء بالخارج، بعد استكمال دراستهم، فإن من شأن المبادرة التي نقدم عليها، أن توفر الظروف الملائمة للكفاءات المغربية، قصد العودة للعمل والعطاء بأرض الوطن، إضافة إلى تشجيع المنافسة الإيجابية والسليمة، بما يساهم في الرفع من جودة الخدمات.
الخطاب الملكي كان واضحا أن تشغيل الشباب هو قلب كل المعادلات الصعبة لكل سياسة عمومية وفي هذا الإطار أكد الملك على ربط التكوين بالتشغيل ، لتصبح الممرات والجسور بين التكوين والمقاولة ممرات تتميز بالثقة المتبادلة وبكثير من المرونة وقد ركز الخطاب الملكي أن من بين القطاعات الحكومية الصاعدة والتي يمكن أن تشغل أيادي عاملة شبابية وهو القطاع الفلاحي لكونه إحدى القطاعات الحيوية والاستراتيجية ، مؤكد ان على ضرورة الانفتاح على رؤوس الأموال الخارجية،وفق سياسة فلاحية مندمجة تعيد الكرامة والإنصاف للفلاحين الصغار الذين أصبحوا ضحية اللوبيات والمضاربات وتعدد الوسطاء، وهو ما دفع جلالة الملك لمطالبة الحكومة تعبئة الأراضي الفلاحية المملوكة للجماعات
السلالية قصد إنجاز المشاريع الاستثمارية في المجال الفلاحي، وعلى غرار تمليك الأراضي الجماعية طالب الخطاب الملكي من الحكومة إيجاد الآليات القانونية والإدارية لتوسيع عملية التمليك بالنسبة لذوي الحقوق
الرسالة السادسة وضع آليات جديدة لإشراك القطاع الخاص في النهوض بالميدان الاجتماعي: راهن الخطاب الملكي كثيرا على ضرورة المساهمة في تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، وفي إطار المسؤولية المجتمعية للمقاولة، أو من خلال إطلاق شراكات بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال.
من الرسائل الهامة التي جاء بها الخطاب هو تذكير البرلمانيين وأعضاء الحكومة بما جاء في خطاب السنة الماضية أمام نفس البرلمان ونفس النخب ونفس الوجوه في موضوع إعادة النظر في النموذج التنموي الوطني وبلورة منظور جديد من أهدافه الأساسية الاستجابة لتطلعات المواطن الحد من الفوارق الاجتماعية، تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، ومواكبة التطورات الوطنية والعالمية.نموذج تنموي وطني فشلت الحكومة والأحزاب الى حد اليوم في تقديم ولو مشروع حوله الامر الذي يؤكد عجز الحكومة والأحزاب انجاز ولو تصور حول النموذج التنموي منذ اكثر من سنة انه قمة هدر الزمن
السياسي.
الرسالة السابعة نقد الحكومة والبرلمان في الفشل بإخراج نموذج تنموي الوطني: من الرسائل القوية التي جاءت في الخطاب هو تأكيد جلالته بفشل الحكومة والبرلمان في بلورة نموذج تنموي وطني، يستجيب لحاجيات المواطنين، وقادر على الحد من الفوارق والتفاوتات، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية ومواكبة التطورات الوطنية والعالمية. وهكذا اكد الخطاب الملكي ان الحكومة والبرلمان فشلا لأكثر من سنة في بلورة هذا النموذج وهو ما طرح علامات استفهام حول استخفاف هذه الحكومة ووزرائها واحزابها والبرلمان بفرق الاغلبية والمعارضة من تعليمات ملك البلاد.ونظرا لهذا العجز فقد قرر جلالته تكليف لجنة خاصة، مهمتها تجميع المساهمات، وترتيبها وهيكلتها، وبلورة خلاصاتها، في إطار منظور استراتيجي شامل ومندمج؛ على أن ترفع إلى نظرنا السامي، مشروع النموذج التنموي الجديد، مع تحديد الأهداف المرسومة له، وروافد التغيير المقترحة، وكذا سبل تنزيله.
وفي هذا الصدد شكر الملك بعض المؤسسات والهيآت وعدد من الفعاليات والكفآت الوطنية في حين عجزت الحكومة بأغلبيتها المشكلة من6 أحزاب والمعارضة البرلمانية بكل فرقها ومجموعتها البرلمانية بتقديم أي دراسة جادة في هذا الصدد وهذا هو عمق خلل السياسات العمومية الحكومية، ونظرا لخطورة ضعف في إنتاج نموذج تنموي وطني وفق المعايير التي ذكرها الملك سابقا فقد منح الملك للحكومة مهلة 3 أشهر لإخراج نموذجها التنموي الجهوي.
الرسالة الثامنة حول التربية والتشغيل والشباب والعدالة الاجتماعية : كعادته وقف الخطاب الملكي على مكامن خلل السياسات العمومية التي تتبعها الحكومة، والتي اصبحت تشكل خطرا على البلاد التربية والتكوين، والتشغيل وقضايا الشباب، ومسألة الدعم والحماية الاجتماعية والتي هي موضوع اجماع وطني والتي لا تقبل الانتظار لكونها قضايا مستعجلة في حين ان الحكومة تضعها في اجندتها العادية مما يضع مستقبل البلاد امام كثير من الاحتجاجات والمظاهرات التحديات.
الرسالة الأخيرة والقوية المغرب ليس للانتهازين بل للوطنيين الحقيقيين ولرجال الدولة الصادقين : جاء الخطاب الملكي واضحا في التأكيد أن التحديات ورهانات المغرب متعددة ومتداخلة ولم تعد تقبل الانتظارية أو الحسابات الضيقة وفق منظور الحكومة والأحزاب والبرلمان، بل إن هذا الوضع يتطلب من كل المسؤولين بغض النظر عن المواقع وعن الهيآت السياسية أن يكونوا وطنيين حقيقين ورجال دولة صادقين لمواجهة التحديات والرهانات الصعبة التي يعرفها مغرب القرن 21.. مؤكدا وبلغة الحسم ان المغرب يجب أن يكون بلدا للفرص، لا بلدا للانتهازيين. وأي مواطن، كيفما كان، ينبغي أن توفر له نفس الحظوظ، لخدمة بلاده، وأن يستفيد على قدم المساواة مع جميع المغاربة، من خيراته، ومن فرص النمو والارتقاء.
والواقع أن المغرب يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين، وهمهم توحيد المغاربة بدل تفريقهم؛ وإلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات.
انه كلام صادر عن ملك البلاد وهو مؤشر على نوعية النخب المغربية التي عوض ان تدافع عن الوطن أصبحت خطرا عليه.لذى نتساءل هل سيلتزم رئيس الحكومة ووزراء حكومته ورئيسيي البرلمان ورؤساء الفرق البرلمانية ورؤساء
الأحزاب السياسية هذه المرة وليثبتوا بالملموس انهم ليسوا بانتهازيين بل بوطنيين حقيقين وبرجال دولة صادقين ام انهم سيلتزمون بمضامين الخطاب الملكي ؟