الخبير الأمني محمد بوزفور يكتب : الأحزاب و الشباب على محك التواصل !!

على مشارف مسافة زمنية غير بعيدة من الانتخابات الجماعية والبرلمانية المقبلة، و نحن نتأهب بعون الله لاجتياز الاشواط الاضافية الاخيرة من معاناة تراجيدية طويلة في مواجهة كوفيد 19 , سيدشن المغرب ، طبقا للفصل 65 من الدستور، الدورة الاولى من السنة التشريعية الجديدة التي سيفتتحها الجمعة الثانية من شهر اكتوبر 2021 عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس نصره الله ، وهي مرحلة اساسية في ترصيد الممارسة الديمقراطية المغربية ، والتي من المرتقب أن تقود الى إحداث تغييرات محتملة في جلد الحكومة الحالية وفي الوجوه السياسية التي سيوكل اليها تدبير الشأن اليومي للمغاربة
.
وبعيدا عن اي ادعاء بالقدرة على قراءة الفنجان السياسي والكشف عن لون الفريق الحزبي الذي سيتمكن من قطع المسافات بنجاح والمرور الى السرعة النهائية – للظفر بالقميص الجديد للحكومة ، فان السؤال يفرض نفسه حول مدى امتلاك بعض الاحزاب المغربية المتنافسة لإستراتيجيات ذات بعد تطبيقي تمكن من استمالة الكتلة الناخبة الشابة، ام ان هذا البعض يحصر تدخله في عروض سياسية Offres politiques ، وكأن الامر يتعلق بتعاطي براغماتي محض، ليس هو المطلوب في هذا السياق .
هل معنى ذلك ان هذا البعض من الاحزاب ، يفتقر الى رؤية اجتماعية واقتصادية، والى مشروع متكامل يقدم مفاتيح منهجية وعلمية لتطوير الاقتصاد الوطني في ابعاده المحلية والدولية ، ويدفع في اتجاه إنضاج شروط التنمية الثقافية والتعليمية للمواطن، كممر اساسي لضمان ممارسة واعية للحقوق والواجبات وتمثل واقعي لفعل الديمقراطية التشاركية .؟؟؟
من اللاحب ان الفاعل السياسي وهو يقوم اليوم بالتحضيرات أو التسخينات اللازمة لتنظيم حملته الانتخابية المقبلة، لن يحيد عن استعمال نفس الخطاب الدي كان يجتره في سابق التجارب اثناء التواصل مع الناخبين رجالا ونساء والذي لا يتماهى بالقدر الكافي مع لغة المغاربة اليومية وتطور درجة وعيهم بالكونية وبالسياسة وبالاشياء ؟؟
هل يمكن الحديث في هذا السياق عن ازدواجية في الشخصية السياسية تجعلها تارة حداثية على مستوى الخطاب وتارة اخرى محافظة تقليدية في الحياة ؟
انه المعطى الذي يحيل على اشكالية الانفصام والتفاوت بين الخطاب والفعل ، التي تجعل الناخب الشاب على الخصوص يصاب بالحيرة والتردد ، في غياب أجوبة تواصلية مقنعة لا يتوصل بها من محطة الارسال الحزبية أو قد تصله حبلى بالتشويش او التناقض الصارخ الذي يدعو الى النفور !!
ان في حياتنا من الامثلة ما يؤكد حقا تلك التفاوتات بين المبدأ المعلن وبين السلوك الممارس ، ألا يعيش بعض الناس سرا علاقات جنسية خارج مؤسسة الزواج، و هم أنفسهم الذين يصبون اللعنات ويصرخون بالادانة في العلن اتجاه امثالهم من المخالفين للقانون ؟؟

امام تنامي حدة العجز التواصلي الذي بمقدوره تقديم النموذج والقدوة للشباب ، يلاحظ انهم لا يتقوقعونً في دائرة ا القطيعة مع ما يعتمل داخل القرية الكونية ، بل يمتطون صهوة الدينامكية الايجابية بشكل فردي او في اطار جمعوي ، عبر منصات العالم الرقمي ، مما بجعلهم اليوم يمتلكون سرعة مكوكية غير مسبوقة في التواصل والتفاعل مع المجتمع بأطيافه المختلفة ، بل أضحوا قادرين على الاستقطاب والحشد في مناصرة قضايا مجتمعية رئيسة ، في الوقت الذي ينتاب الملاحظين شعور بتذبذب وبطء الفعل السياسي الحزبي لبعض التشكيلات و الذي مازال في اعلبه قائما على اليات تقليدية ويتحرك ضمن قواميس لغوية تحتاج بنياتها للتغيير لمسايرة ايقاع التحولات التي يشهدها العالم والواقع المغربي المعاصر ؟؟
الحقيقة ان لغة شباب المغرب قد طالها التغيير ، وتبدلت بالموازاة مع ذلك بصفة تكاد تكون جذرية انماط العيش والسلوك على مستوى اللغة و اللباس والحلاقة والاكل ، و انفتحت علاقة الاب بالابن بشكل كبير وتراجعت سلطة الاسرة و تطورت علاقة الفتى بالفتاة قبل الزواج ،و أشكال اقامة حفلات الخطوبة وعقد القران ، واضحت علاقة المواطن بالسلطة محكومة بضوابط أكثر تمثلا للمضامين الحقوقية ، بل ان الاغنية المغربية على سبيل المثال – باعتبارها احد روافد التعبير الثقافي— لم تسلم هي ايضا من اثار العولمة والعصرنة، على صعيد الكلمة و اللحن والصورة ومدة العرض ، في الوقت الذي مازال البعض من الجيل القديم الملتصق منذ ازمان خلت بكراسي السياسة ، يقبع في” منطقة الراحة ” zone de confort , موظفا لغة تكاد تكون محنطة وغربية عن محيطها، تقع خارج العولمة و الرقمنة ، لا تشبه الشباب ولا يشبهونها ، لغة لا تتيح الفرصة للتعاطي مع أبناء المغرب الجديد المنخرطين بقوة في شتى مجالات التكنولوجيا ، و المتعطشين الى الإرتواء من مختلف ايقاعات الحياة المعاصرة ، حيث الزمن الحداثي يعبر بعنفوان التطور وسرعة العصر شوارعنا واحيائنا ومدننا عبر “الترامواي ” والقطار المكوكي والطرق السيارة الممتدة عبر شساعة الجغرافية المغربية .!!
اي خطاب حزبي يمكن ان يقدم اليوم في اطار الحملات الانتخابية لشباب ينتمي لمجموعات الالتراس مثلا -ا والتي تمارس الاحتفالية بالمدرجات ا ؟ وكيف يمكن ان تتفاعل بعض الاحزاب مع عقليتهم وطقوسهم وافكارهم؟
وهل تلم بعض هذه الاحزاب بالشكل الكافي، بماهية هذا الفكر التشجيعي وتداعياته الامنية وتقاطعاته الناتئة وخصوماته الداخلية الحادة المتمظهرة بين الحين والاخر عبر الخريطة الرياضية ، في مواسم كانت تشهد قبل انتشار جائحة كورونا ، تدفقات بشرية على بوابات ملاعبنا الرياضية .؟؟
والى اي حد يصل منسوب المعرفة والادراك لدى بعض التشكيلات الحزبية لطبيعة الرسائل المشفرة ودلالاتها الاجتماعية والسياسية ، التي تبعث بها تلك المجموعات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو تتضمنها كثير من ” التيوفوهات ” التي ترفعها انطلاقا من المدرجات ،؟؟
وهل نستطيع الجزم بان كل الفعاليات الحزبية لها القدرة على سبر أغوار المواقف التي تعبر عنها مجموعات ” الالتراس ” اتجاه الاندية الوطنية وإزاء القوات العمومية و تفاعلا مع بعض الاحداث الظرفية ؟؟

الواضح اننا إذ نميط اللثام عن جملة من الاستعصاءات ، فمن البديهي ان نتساءل كيف يمكن تحييد هذه الكتلة البشرية الضخمة والمؤثرة على صعيد الراي العام الرياضي ، دون ان يتم تحريك ساكن من طرف بعض الفاعلين الحزبيين الذين يمكنهم برمجة و تنظيمً ندوات دورية طيلة السنة حول محاربة العنف المرتكب اثناء وبمناسبة التظاهرات الرياضية ، من اجل رفع درجة الوعي الجماعي بالظاهرةً ، بالصورة التي تسهم في تحويل تلك الاصوات المواطنة المتحركة عبر شبكة الانترنيت وفي مواقع ” الكورفا ” CURVA بالملاعب ، الى طاقة ايجابية تنتصب كصمام امان في وجه الراديكالية والعنف والجريمة والارهاب . ؟؟
ليس المطلوب بالتاكيد ان تتدخل السياسة في حركية الملاعب الرياضية قصد التوظيف السياسي ، فهو امر محظور من طرف القوانين المحلية ومن طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA ، ولكن المقصود هو النزول الى الشارع المغربي في اطار الحملات الانتخابية – مثلا – للاستماع الى هؤلاء الشباب الدين يعشقون الكرة ويعشقون الوطن حتى النخاع ، ومخاطبتهم في صلب البرامج والاستراتجيات المقترحة للنهوض بالشان المحلي والوطني ، بصفتهم مواطنين أولا وأخيرا كاملي الاهلية من حقهم ان بقرعوا أبواب مكاتب التصويت وأن يلجوا مختلف مواقع الفعل السياسي والعمل الحزبي ….
المطلوب بالتاكيد هو القطع مع لغة الغيبوبة والغياب ومخاطبة هؤلاء الشباب في مدن المغرب وقراه باللغة التي يفهمونها ويستعملونها كل يوم ومقاربة مشاكلهم وهواجسهم، وحمايتهم من السقوط في مخالب الفراغ وبشاعة الظلامية !
يقولون إن الطبيعة لا تحب الفراغ ، فلتكن لغة الخطاب التواصلي مع الشباب هي المعركة التي يتوجب كسبها لردم الشقوق و ملء الفراغات التي من شأنها أن تزيد الفجوة اتساعا !!
واذا كانت صناديق الاقتراع تشكل محطة دستورية في حياة مجتمعنا المغربي المنفتح على التطور والحداثة والحريص على تخصيب حقول الممارسة الديمقراطية المشرعة على الحريات الفردية والجماعية ، فان المراحل الاسبق على التصويت الشعبي ترتبط ولاشك بالمشوار الذي يجب ان يقطعه السياسيون في تربية الاجيال على التسامح والفكر النقدي واحترام الاختلاف ورأي الاقلية وعل اعطاء النموذج في النضال المواطن الهادف الى تكريس الثقافة كمحرك للتنمية والوعي ، وكحصن يحقق المناعة للانسان ضذ الجهل والتطرف ، ويجعله يقبل بإصرار شديد على تجسيد محبة الوطن بالفعل والقول من خلال رفع معاول البناء بوعي متقدم وايجابية ، في ظل التوازن المطلوب بين الحقوق والواجبات !!

اننا نسمع كثيرا أن تغيير المجتمع يتيح امكانيات للاقلاع والتطور ، وكأن فعل التغيير سيتم تحقيقه على ارض الواقع بقدرة قادر !! انه كلام يتم ترويجه ايضا في مناسبات انتخابية بمنطق يلغي العقل والنباهة الفكرية . اليس التوجه الخلاق والمناضل لدى الفرد قادر على قيادة حركية المجتمع ؟
ألا نتذكر ان نازلة الانتحار ا المأسوية للقاصرة امينة الفيلالي سنة 2012 قد قادت الى الاطاحة بمقتضيات الفصل 475 من القانون الجنابي المغربي و ساهمت في صنع نصوص قانونية جديدة سنة 2014 حررت القاصرات من الاغتصاب المشرعن ؟؟
الم نسجل ان دور الفنان والموسيقي والمخترع والعالم ورجال الاعمال والاقتصاد والصناعة في كثير من الامم بمقدوره ان يرتقي بالفرد الى موقع القيادة لديناميات ثقافية واجتماعية وعلمية واقتصادية ؟
الم نعابن ان اضرام النار في جسد شخص / فرد اسمه البوعزيزي – مثلا – قد اسهم الى حد بعيد في تحرير طاقات بشرية في سعيها نحو معانقة الديموقراطية المحلوم بها ؟؟
الواقع ان المواطن المغربي الشاب على وجه الخصوص ، يبقى صوتا سياسيا لا يعلى عليه، اذا تم تاطير ادواره داخل الاحزاب المغربية على النحو الانسب ، لان التطور المجتمعي ياتي من هذا الصوت الذي لايجب اليوم ان يتوارى الى الخلف ولا ينبغي ان يلغى من الحسبان ، لان بعض مواقف السلبية والعدمية التي يعبر عنها الشباب احيانا ازاء التجربة السياسية والممارسة الحزبية ، ليست حالة قدرية محتومة او حالة مرضية ميؤوس منها ، بقدرما هي مجرد ردود فعل انسانية سرعان ما تزول ، متى شرعت المقاربات والبرامج الحزبية ابواب الأمل ، ومتى تمت صياغة الوعود الانتخابية بميزان العقل الراجح لتصبح سهلة التنزيل على الارض، مؤهلة لزحزحة مظاهر العزوف والغضب ومحاربة اشكال الهشاشة والفقر !!

ان الحاجة ملحة اليوم لمشاركة الشباب في إغناء الرأسمال المادي واللامادي للبلاد عن طريق الاحتفاء برمزية صناديق الاقتراع ،التي تحيل على مرجعية الديمقراطية ، والتي تحتل مؤسسة الاحزاب ركنا ركينا ضمن هياكلها الاساسية .
ومن ثمة وجب الحسم في الاختيارات على صعيد اللغة والموقف ، باعتبار ان اللغة هي وعاء الفكر ، لذلك يبقى على بعض الفاعلين الحزبيين ان يحسموا في تمزقهم بين شخصيتين ، الاولى تتمنطق بحزام الحداثة واخرى تتخندق باسوار المحافظة ، حيث يبدو هذا التشتت كسمة من سمات العجز عن تصدير رؤية مجتمعية واضحة ذات مصداقية تقترب من الشباب وتحتوي تطلعاته المشروعة .
والاكيد مرة اخرى ان الرسالة التي يجب التقاطها من هذا التحليل ، بعيدا عن اي تاويلات متسرعة ، يتمحور فحواها حول ضرورة إعلاء مركزية الاحزاب الوطنية في حياتنا السياسية و حول تثمين موقعها وأدوارها في معادلتنا المجتمعية ، باعتبارها حاجة ثقافية تساءل الوعي الجماعي و تستقطب في صلبها دينامية الشباب ، وهو ما يتطلب من المنظومة الحزبية اعتماد خطاب سياسي حداثي سهل ومباشر ” نيشان ” ، يتكلم لغة الناس ويتماهى مع تكنولوجيا العصر ويحتضن هموم ” الوقت ” من اجل الاسهام في بناء مغرب مزدهر بعطاء أبنائه المجتهدين ، متحرك أبدا نحو افق المستقبل الآتي والمزدهر ، عبر زخم التلاحم الوطني تحت القيادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله .

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *