رفضت أصوات من داخل الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية على حد سواء، أي تقارب أو مصالحة بين الحزبين الغريمين. وهاجم الصقور في الحزب الإسلامي “البام” مطالبين إياه بالتكفير عن أخطاء الماضي. أما معارضو وهبي، فقد رأوا في تقاربه مع بالعدالة والتنمية، انحرافا سياسيا وابتعادا عن الخط الحداثي، الذي تأسس عليه “البام”، الرافض لاستغلال الدين في السياسة.
نهاية الإيديولوجيا
ترتيب أوراق المواجهة على أسس انتخابية تهم أخطاء الحكومة وهفوات تدبير الشأن المحلي
تمكن وهبي الذي يعد صديقا لعبد الإله بنكيران، زعيم الإسلاميين، من كسر سياج العدالة والتنمية، لإنهاء الخلاف الإيديلوجي القائم بين الحزبين اللدودين، من خلال لقاء جمعه بقادة حزب ” المصباح” بالمقر المركزي بالرباط، إذ فطن وهبي لأخطاء أسلافه من الأمناء العامين، وهم حسن بنعدي، ومحمد الشيخ بيد الله، ومصطفى الباكوري، وإلياس العماري، وحكيم بنشماش، الذين خاضوا حربا إيديولوجية ضروسا ضد الخصم اللدود العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، عبر استعمال مصطلحات لا يفهمها الناخبون، مثل محاربة الفكر الظلامي والرجعية، والاستقواء بالتدين، والخلط بين مهاجمة السياسة مع وزراء الحكومة، والإسلام السياسي، والتدين المغربي، ما ساعد ” بيجيدي” على تحقيق فوز سهل في الانتخابات، لأنه يحسن الترافع عبر رفع خطاب المظلومية، والظهور بمظهر ” المتدين” الخائف على ضياع الدين في مواجهة الآخرين الراغبين في تحقيق الامتيازات، وتبادل المنافع الدنيوية.
وسجل وهبي هدفا في مرمى ” بيجيدي” من خلال تقليص هوامش مهاجمة ” الإسلاميين” لمرشحي ” البام”، كي تسهل عليه إعادة تنظيم العملية الانتخابية على أسس المواجهة الواقعية لأخطاء الحكومة، ومدبري الشأن المحلي في المجالس الترابية وخوض المنافسة الانتخابية بمبدأ دستوري وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة، عبر دراسة حصيلة عمل الحكومة ميدانيا، ومقارنتها بأهداف البرنامج الحكومي، وما تحقق فعليا للمواطنين، بغض النظر عن جائحة كورونا، إذ انتقد وهبي تنازل العثماني عن اختصاصاته لفائدة وزراء لجنة اليقظة، وهاجمه، كما استمر برلمانيو ” البام” في توجيه سهام النقد اللاذع لأعضاء الحكومة في مناقشة قانون المالية التعديلي ل2020.
وأكد العثماني أن اللقاء الذي عقده مع وهبي وبعض أعضاء المكتب السياسي، ناقش الظرفية السياسية، وكذا طبيعة العلاقة بين الحزبين ومعالجة أسباب التوترات السابقة، وقال بهذا الخصوص “نحن نرى أن مستقبل المشهد الحزبي بالمغرب، يجب أن يكون متنوعا، فيه أحزاب سياسية مستقلة، ذات قرار سياسي مستقل، مواطنة، تخدم مصالح المواطنين”، مؤكدا أهمية الالتزام الجماعي بممارسة سياسة نبيلة، لمصلحة الوطن والمواطنين، مبرزا أنه تم التأكيد على الالتزام الأخلاقي في التعامل بين الحزبين.
ويأمل العدالة والتنمية، جر ” البام” إلى ساحته وتهميش الخصوم الذين يناورون بمنطق العداء الإيديلوجي الذي انتهى مع نهاية القرن العشرين، لتشكيل حكومة منسجمة من حزبين إلى ثلاثة أحزاب على أبعد تقدير في انتخابات 2021، فيما يسعى الأصالة والمعاصرة إلى خوض مغامرة سياسية لضمان مقاعد وزارية في الحكومة المقبلة، لأن عدم مشاركة حزب ” الجرار” بعد 12 سنة على ولادته، سيؤدي إلى انهياره وهروب أطره وهو الذي ساعدته إدارة المخزن، كي يحقق التوازن السياسي في المشهد الحزبي لكي لا تتقوى شوكة الإسلاميين، خاصة تراجع اليساريين، وانكماشهم، رغم استمرار قيم اليسار التي تحتاج إلى شخصيات كارزمية قادرة على بلورة توجه جديد لمنافسة المحافظين من الإسلاميين الذين اكتسبوا تجربة وثقة في النفس، رغم الأخطاء التي ارتكبوها.
ويبحث الحزبان عن زواج كاثوليكي، للمشاركة في حكومة واحدة، وهو القرار الذي أجهض في عهد إلياس العماري، الذي اتخذ قرار الاصطفاف في المعارضة مباشرة بعد إعلان وزارة الداخلية نتائج الانتخابات بتصدر ” بيجيدي” النتائج بقيادة بنكيران، الذي كان يخطط لتشكيل حكومة إما من أحزاب الكتلة الديمقراطية السابقة، أو من تيار اليمين، بما فيه ” البام” .
ألغام وسط الطريق
لم تمض سوى ساعات حتى انكسر الود بين الطرفين، من خلال زرع ألغام وسط الطريق، إذ هاجم القيادي في العدالة والتنمية، عبد العالي حامي الدين، قيادة ” البام” السابقة واتهمها بارتكاب مجازر في مجالس الممارسة الديمقراطية، بفك ارتباط بين أحزاب تحالفت مع ” بيجيدي” لرئاسة مجالس جهوية، ومدن، وتهديد آخرين بجرهم إلى محاكمات تؤدي إلى السجن، في حال رفضهم الانضمام إلى ” الجرار”، وإحياء ملفات قديمة، بغض النظر عن صدور أحكام نهائية عن القضاء، وصدور مقرر عن هيأة الإنصاف والمصالحة، بتبرئة حامي الدين من ” قتل” الطالب اليساري آيت الجيد، فتصدى له قادة ” البام” بينهم العربي لمحرشي، الذي كال ل” بيجيدي” تهما كثيرة بينها أنه ولد من داخل دهاليز وزارة الداخلية على عهد الرجل القوي الراحل إدريس البصري، وأنه لحد الساعة لم يقدم شيئا للمغاربة سوى الفضائح الجنسية، والفشل في التدبير، والعنف والترهيب. كما دعت البرلمانية ابتسام عزاوي، وهبي، إلى فتح تحقيق قضائي بشأن الاتهامات الموجهة للحزب والكشف عن الحقائق الخفية التي توجد في أرشيف الحزب.
المصدر : يومية الصباح