د.غاشي والحصيلة البيداغوجية للتعليم عن بعد لجامعة محمد الخامس

محمد الزعراط

عرفت المرحلة الاستثنائية التي لا يزال يمر منها بلدنا المغرب على غرار جلّ دول العالم بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، تغييرات ملموسة في التعامل مع مجموعة من القطاعات الحيوية، كقطاع التعليم الذي شهد إجراءات وقرارات كانت حاسمة وصائبة.

وفي هذا السياق، يعتزم موقع بلبريس إجراء سلسلة لقاءات مع رؤساء الجامعات المغربية بتنسيق مع سعيد أمزازي؛ الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي .

وفي اللقاء الأول ضمن هذه السلسلة، استضاف الدكتور ميلود بلقاضي، الدكتور محمد غاشي، رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط، لتقديم الواقع التعليمي عن بعد في جامعة الرباط للرأي العام ، وتقييم التجربة من أجل التقويم والاستمرار في العالم الرقمي. مسلطا بذلك الضوء على مرحلة جد مهمة في تاريخ الجامعة المغربية، وأمورا أخرى تتعرفون عليها من خلال نص هذا الحوار:

 باعتبار جامعة محمد الخامس إحدى الجامعات المركزية بالمغرب، كيف تفسر للرأي العام والطلبة والأساتذة والآباء طريقة تدبير ولوج جامعتكم للعالم الرقمي أو التعليم عن بعد في هذه الأزمة الطارئة؟

بداية أشكر وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي على جودة القرارات التي اتخدت في التعامل مع الطارئ المفاجئ، والتي كانت منذ الأسبوع الأول قرارات صائبة.
فمنذ قرار توقيف وتعليق الدراسة حضوريا، اتخدت جامعة محمد الخامس استراتيجية من أجل ربح الوقت، والقيام بخدمة لصالح الطلبة في أقرب وقت ممكن وبجودة محترمة.
من هذا الباب، انطلقت الجامعة خلال الأسبوع الأول في تحضير أول دفعة من المراجع والمضامين البيداغوجية، ووضعها رهن إشارة الطلبة في الموقع الالكتروني للجامعة ومواقع المؤسسات الجامعية التابعة لها.
ويكفينا شرفا أننا وصلنا في ظرف أسبوعين لـ 5000 مضمون، وبعد شهر لـ 10.000 مضمون، والآن قرابة 12.000 مضمون ومرجع.
وبالموازاة مع عملية جمع المضامين المكتوبة رهن إشارة طلبة الجامعة، انتقلنا للمنصات الرقمية، ثم التفاعل مع الطلبة.
وبالتالي تكون جامعة محمد الخامس دبَّرت المرحلة الطارئة في ثلاثة مراحل: أولها جمع المضامين والمراجع، وثانيها اللجوء للمنصات الرقمية وتقديم الدروس بالصوت والصورة وعبر المباشر، وثالثها عملية التفاعل مع الطلبة.

 أكيد أن التعليم عن بعد لا يعوّض التعليم الحضوري، وبالتالي فالمراحل الذي ذكرتموها لا بد من أن تكون قد واجهتكم مجموعة من الإكراهات التي تعتبر مسألة عادية في أي مشروع جديد. فهلا حدثتمونا عن بعض الإكراهات التي وقفت عليها كرئيس لجامعة محمد الخامس؟

بالفعل كانت هناك إكراهات، لكن أود التذكير بمسألة جوهرية ومهمة، والتي تتعلق بالتعليم الرقمي، فهو انطلق بالضبط سنة 2002 بجامعة محمد الخامس. ومنه فيوجد تراكم ما يقارب العشرين سنة.
20 سنة، وجامعة محمد الخامس ضمن الأوائل على المستوى الوطني في تدبير وتطوير هذا النوع من التكوين، وبالتالي فنحن في انتقلنا من مرحلو التعليم عن بعد إلى التعلُّم عن بعد. فنحن الآن في مرحلة تمكننا من الوقوف على مدى اكتساب الطالب للمعارف ومدى تمكينه منها.
والتعليم عن بعد يرقى عن مسألة الاستثمار والمعدات التقنية-التي تبقى ضرورية ولابد منها- إلى الالتزام والتقبُّل، التزام الأستاذ وإيمانه بالمسألة، ونظرة الطالب إلى هذا النوع من التكوين.

الجائحة ستمر بإذن الله، فهل هناك  استراتيجية لما بعد مرحلة الوباء؟

أكيد، لا بد من أن تكون استراتيجيتين، توقعية وتفاعلية. فما بعد هذه الأزمة، سنرتكز على رقمين أساسيين في بناء التصور والتوجه القادم في ما يخص دينامية الاستراتيجية التي يجب تحيينها بمعطيات خارجية، وتغييرها بمعطيات داخلية:
أولا، 80 في المائة من أساتذة الجامعة يؤكدون على أن للتعليم الرقمي مكانته بالموازاة مع التعليم الحضوري.
ثانيا، في ما يخص جانب التقييم في التعليم عن بعد وإجراء الإمتحانات، فبعد استطلاعنا لرأي طلبتنا توصلنا إلى أن 7% منهم لا يستخدمون المنصات الرقمية من قبل؛ وبالتالي يصعب مسايرتهم للعملية، و 40% من الطلبة لديهم مشاكل لوجستيكية، وأكثر من 40% أكدوا على إشكالية التفاعل.
وهنا يحتم علينا الاشتغال مستقبلا على هذا الجانب التفاعلي من أجل تطويره وجودته، لتعطي العملية الرقمية ثمارها.
السيد الرئيس، لا يختلف اثنان على أن الطالب والأستاذ انخرطا بشكل جاد في عملية التعليم عن بعد. إلا أن هناك تحفظ مشروعٌ من طلاب العالم القروي، وبالتالي عدم تكافؤ الفرص تبقى واردة بين طلاب القروي والحضاري.

هل تفكرون في إيجاد حلول لتكافؤ الفرص بين المجالين؟

أول، ثقتي كبيرة بالقانون الإطار 51.17 الذي أتى بمجموعة من التغييرات في ما يخص الجانب التقني والتكنولوجي، وأتى بمبادئ كتكافؤ الفرص والإنصاف والمساواة، وعلى هذا الأساس أي جانب تنظيمي يجب أن يصب في ما جاء به القانون الإطار؛ ليكون تنظيما مغطى قانونيا.
في وجهة نظري، يجب تظافر وتكاثف الجهود، فيجب أن نرى الجانب الجمعوي، والحكومي ومؤسسات عمومية، وجهات وجماعات ترابية، كما يجب أن يكون "الانتقائية" في اتخاد القرار.

التكوين أمر أساسي في أي مجال، فهل هنا تفكير حول تكوين الأطر الإدارية في آخر العلوم التكنولوجية. وكذلك تكوين الأساتذة والطلبة، من أجل أن تكون جامعتكم رائدة في ترسيخ التكوين المستمر للأستاذ والإداري والطالب، من أجل اندماج أسهل في عالم الرقمنة؟

الجامعة المغربية لديها خصوصيات تجعلنا أن نتكلم عن التكوين المستمر للإداري كمفهوم ومبادئ وطرق للإشتغال.
أما عندما نتكلم عن التكوين المستمر للأستاذ، فليس بمفهوم التكوين المتلقي عن طريق "مُكَوِّن"، فعلى سبيل المثال، هناك لقاءات أسبوعية للنقاش، يجتمع فيها الأساتذة الجدد والقدامى والمتقاعدين، وهذه تجربة ولله الحمد؛ ودخيرة من المعلومة التي تخلق التلاقح بين الأجيال. وبالتالي فهذا تكوين مستمر لمدى الحياة. كما لا بد من الإشارة إلى أن مفهوم "الأستاذ الباحث" هو تكوين مستمر في حد ذاته.

بعض الطلبة يشتكون من ضعف التواصل المؤسساتي بينهم وبين الرئاسة. فهل من الممكن إنشاء خلية خاصة بالتواصل المباشر مع الطلبة والتفاعل معهم ومع رسائلهم؟

أشير إلى أن أول قرار اتخده مجلس الحكامة الموسع هو خلق ثلاثة لجان، لجنة تقنية مكلفة بمواكبة ومصاحبة كل ما هو إلكتروني، ولجنة بيداغوجية مكلفة بالمراجع والمضامين البيداغوجية، ثم لجنة لوجستيكية تواصلية.
وكما تابع العديد، فقام الموقع الالكتروني للجامعة بالبث في الأسئلة الأكثر تكرارا، وقمنا كذلك بحصر ما يزيد عن 700 طالب من ذوي الاحتياجات الخاصة ومعرفة حاجياتهم وتلبيتها.
فربما لم نصل للتواصل المباشر والمؤسساتي كما ينبغي، ولكن يجب الأخد بعين الاعتبار الأولويات والموارد، وضرورة منحها وقتا للتأقلم من أجل أن تكون في المستوى المطلوب.

ألا ترون أنه من الممكن أن يكون تأثير سلبي على نفسية كل من الطالب والأستاذ خلف الشاشة الذي خلقها التعليم عن بعد؟

هذا أمر طرحته اللجنة المذكورة سلفا، وأثبث على ضرورة تقييم علمي لهذه العملية، فلله الحمد نتوفر على أطباء وبروفسورات وكليات من المستوى الرفيع. فمن هذا الباب ممكن أن ننطلق من تجارب مضت، وأخرى قادمة، لنستخلص منها إطارا مرجعيا يواج كل المشاكل والصعوبات بحلول مغربية محضة.
كلمة أخيرة ختامية للقاء، لكل المنخرطين من رؤساء وعمداء وأساتذة وإداريين وطلبة؛ بإيجابية واسعة في هذا المشروع:
كأستاذ ورئيس جامعة، وفوق ذلك افتخارنا كمغاربة وكأطراف في منظومة حيوية تتعلق بالتعليم والتبحث العلمي والابتكار، فهذا سيعطي نتيجة أكبر تخدم البلاد بتظافر جهود الأستاذ والإداري والمسؤول. هذا الوبائ أظهر لنا أن الشعب المغربي يتوفر على إمكانيات وكفاءات جد كبيرة، وبالتالي إذا أضفنا لها توجيهات المسؤول والإداري؛ فأكيد أن كل شيئ سيمضي قدما نحو تحقيق المبتغى والنتائج التي بدأت تلقي بثمارها في وقت قصير جدا، وإذا استمرينا بنفس الدينامية، فسنوصل البلاد إلى ما نتمناه جميعا.