بنعباد يكتب :"من تقنين الكيف إلى شرعنة المخدرات"

عاد موضوع تقنين الكيف إلى دائرة الضوء، بعد أن طرحه وزير الداخلية، وتبنته الحكومة، وخرج عدد من قادة الصفين "الأول" و"الثاني" في العدالة والتنمية للدفاع عنه !.
نحن أمام قانون هيئت له "الدعاية" وحشدت له من المبررات "العاطفية/التضامنية" الكثير، من قبيل، وضعية المزارعين المساكين، الذين يعانون الفقر والحاجة والحرمان، لأن زراعة الكيف ممنوع قانونا، ومحارب من السلطة، مما يعني أن "عائداته" كذلك ممنوعة، وبيعه يتم في الظلام خوفا من السلطة.
تنضاف سردية أخرى إلى المشهد لتزيده حرجا على الممانعين، وهي حالات المتابعة الأمنية والمدانين والمطاردين الذين تجاوزت أعدادهم 40 ألف حالة، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات نفسية واجتماعية واقتصادية على الأفراد والاسر والتجمعات الاجتماعية المستهدفة بهذا التضييق القانوني والتخويف الأمني.
وليقين الدولة/السلطة أن مؤشرات الثقة في مؤسساتها، كل مؤسساتها، تنهار يوما بعد يوم، فإنها لجأت إلى سردية ثالثة قائمة على الاستعانة بصديق تمثل هذه المرة في التشريعات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، باعتبارها تشريعات ملزمة للمغرب، لأن الدستور يعطيها هذا الحق.. أولسنا دولة يحكمها الدستور؟
ثم انضافت سردية رابعة، رفعت في وجه المحافظين والمتدينين، وهي الرأي الشرعي، حيث تطرق أحد الباحثين في العلوم الشرعية، وهو من مسؤولي حركة التوحيد والإصلاح (السند الاجتماعي/الأخلاقي/ الشرعي) لحزب العدالة والتنمية، ليناقش الموضوع، ويعطي رأيه/فقهه في النازلة، فيدعو جمهور المتدينين إلى ما أسماه "السعادة" بهذا التشريع الذي ينقل التحريم إلى جواز انطلاقا من حالة الضرورة !.
لهذه الاعتبارات الأربعة طرحت الحكومة مشروعها، حتى توحي لشعبها أن تصرفها في شرعنة المخدرات، نابع خارجيا من مسؤولية يطوقها بها الدستور الجديد، وداخليا إحساس عميق بمعاناة البسطاء من بعض أبناء جبال الريف وجبالة.
هذه السرديات توهم المتلقي أن "مشروع قانون 13.21 يتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي"، يشكل طوق نجاة هؤلاء المساكين من وحش التشريع السادي المغربي، كما أنه يوفر لهم الحماية المطلوبة من غول الدرك، أو "الجدارمياغ" (بتعبير الأخ إلياس العماري حفظه الله).
غير أن ما تخفيه الأكمة أخطر مما يفصح عنه بياض أسنان الذيب، وفي هذه الوقفة السريعة، أناقش جانبين منها؛ أما الأول فمتعلق بالتجريم القانوني لزراعة "القنب" في اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1961؛ اما الثاني فأناقش فيه دعوة الباحث في العلوم الشرعية إلى "السعادة" بهذا المشروع، وبعدها أهمس جهرا في آذان قيادات الحزب الإسلامي.
في ديباجة مشرع القانون، وفي المتن الدعائي المصاحب، رفعت الدولة في وجه المغاربة شعار مواكبة الاتفاقيات الدولية، وعلويتها المحفوظة بالدستور، لتدلس على المغاربة رغبتها في شرعنة المخدرات.
طبعا لن أتوقف على كوارث القانونية المضمنة في "ديباجة" النص، والتي تخفي مع إحسان الظن بمن صاغها جهله المركب في فهم التشريعات الوطنية والدولية حول القنب الهندي، وهذا موضوع سأعود إليه ـ إن شاء الله بالتفاصيل.
لكن هذا لا يمنع من التوقف عند "التدليس" الذي يطرحه المشروع المغربي، كما هو موضوع في موقع الأمانة العامة للحكومة، ففي الفقرة الأولى من الديباجة نجد "يندرج مشرع هذا القانون في إطار مسايرة التدرج الذي عرفه القانون الدولي من منع استعمال نبتة القنب الهندي إلى الترخيص باستعمالها لأغراض كبية وصناعية، في زل ما جاءت به الاتفاقية الوحيدة للمخدرات بصيغتها المعدلة ببروتوكول 1972، وتفعيلا للتوصيات الجديدة التي قدمتها منظمة الصحة العالمية بشأن إعادة تصنيف هذه النبتة، وذلك بالشكل الذي يتلاءم مع المستجدات العلمية التي أظهرت أنها تتوفر على مزايا طبية وعلاجية، علاوة على الاستعمالات المختلفة المرتبطة بميادين التجميل والصناعة والفلاحة".
هذه الفقرة، تصنع لدى القارئ يقينا، بأن الاستعمال الطبي والصناعي للكيف كانت ممنوعة في الاتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1961، وتعديلها لسنة 1972، قبل ان تتدخل الصحة العالمية للتصحيح، وهذا ما يجعل البحث عن هذه الاتفاقية واجبا على كل باحث منصف لمقارنتها بالنص المغربي.
وبالعودة إلى نص الاتفاقية (1961) وتعديلها (1972) نجدها تقول في ديباجتها:
"إن الدولة الأطراف (الموقعة على الاتفاقية)؛
اهتماما منها باستمرار بصحة الإنسانية ورفاهيتها؛
وتسليما منا باستمرار لزوم استعمال المخدرات الطبي لتخفيف الآلام، وبوجوب اتخاذ التدابير اللازمة لضمان توفر المخدرات لهذا الغرض".
الاتفاقية الدولية، تعلن بداية أنها "مسلمة" بالدور العلاجي للمخدرات (في الجملة)، ثم التزامها بوجوب اتخاذها التدابير اللازمة لتحقيق هذه الغاية (الاستعمال الطبي).
إن مقارنة بسيطة بين الديباجتين، الدولية والوطنية، تكشف حجم التدليس في المشروع المغربي، والذي يوهم الناس أن تشريع الاستعمال الطبي للمخدرات طارئ وتابع للاكتشافات الجديدة التي دفعت بها منظمة الصحة العالمية.

النقطة الثانية، قول الباحث في العلوم الشرعية، الأستاذ أحمد كافي: "علينا أن نسعد بمشروع قانون استعمالات القنب الهندي من خلال هذا التحول من الحرام الذي كنا ولا نزال لم نغير رأينا في أن ما يعد لعالم المخدرات حرام قطعا. وأن نفرح بأن الترخيص ـ كما في مشروع القانون ـ بزراعة القنب الهندي مشروط بتفويت المحصول إلى الشركات التي ستتأسس في المجالات الطبية والصناعية".
لا يختلف مسلمان على أن "الضرورة" و"الاضطرار" و"الإكراه".. موجبات لقلب الحكم من الحرام إلى الحلال في الحالة المخصوص والنازلة المعنية، دون زيادة أو نقصان.
لكن القضية ليست هنا، فليست قضية تقنين الكيف دائرة بين الحلال والحرام، بل هي مجال صراع قيم إسلامية أخرى هي العدل الذي يقابل الظلم، والكذب الذي يقابل الصدق، والتدليس الذي يقابل الوضوح، والعدالة التي تقابل التطفيف، والحق الذي يقابل الباطل، والواجب الذي يقابل الممنوع، ومسؤولية الدولة عن المجتمع التي تقابل تخليها عنه.
ورغم أن الحلال والحرام ليس هو القضية، فإنه في حالة الإسلاميين هو الأزمة، هو أزمة العقل المسلم/ الإسلامي، الذي ما زالت قراءته للعالم مسكونة بثنائية الحلال والحرام، واختزال دين الله خالق العالمين في هذه الثنائية، ومحاولة تنزيلها على جميع القضايا والإشكالات.
هذا التقييد لحركة الإنسان المسلم، في هذه الثنائية، إساءة له وللقضايا التي يبدي رأيه فيها، برغبة منه أو تحت الطلب.
قضية الكيف متعلقة بحقوق المجتمع على الدولة، متعلقة بمسؤولية الدولة عن مزارعي الكيف، بتفويت الدولة "إنسان" مناطق زراعة الريف إلى "الشركة"، ونقل هذا الإنسان من بطش السلطة إلى جشع الشركات.. بمدى احترام الدولة لإنسانها وعدم التدليس عليه والتغرير به.
صاحب الرأي الشرعي، العالم بالحلال والحرام مفيد للمجتمع، لكنه سيكون أكثر فائدة لو فتح عينه على الدنيا وقضاياها، وعن موقع الإنسان في سياسة الدولة، وبيع الوطن للشركات.
ختاما ليست مفهومة هذه الشراسة من قبل قيادات الصفين الأول والثاني من قيادات العدالة والتنمية، باستثناء بن كيران، في الدفاع عن هذا المشروع، وكأنه خرج من مقر حي الليمون، وأنه يحقق مجال تعاقد بين الحزب والشعب الذي صوت عليه.
مثير فعلا أن ينقلب قادة العدالة والتنمية، إلى مدافعين عن هذا القانون في سنة انتخابية، مع ماله من وقع على علاقتهم بالمجتمع، عوض الإعداد اللازم للقوانين الانتخابية.
لم أعد أفضل توزيع الاتهامات، لكني أحتفظ بشكوكي في الفاعل الحزبي وصفقاته السياسية.
.. يتبع عبد الصمد بنعباد