تواصل محكمة الاستئناف بالدار البيضاء جلسات الاستماع في القضية المثيرة للجدل المعروفة إعلاميا بـ”إسكوبار الصحراء”، والتي تشهد متابعة شخصيات بارزة، أبرزهم سعيد الناصري، الرئيس السابق لنادي الوداد البيضاوي، وعبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق السابق، إلى جانب عدد من المتهمين الآخرين.
وقررت المحكمة في جلسة اليوم الجمعة تأجيل النظر في القضية إلى يوم الجمعة المقبل الموافق لـ 14 مارس، لاستكمال الاستماع إلى باقي المتهمين الذين يواجهون تهماً خطيرة تشمل التزوير في محررات رسمية، والتورط في تهريب المخدرات، والنصب، واستغلال النفوذ، بالإضافة إلى التهديد والإدلاء بتصريحات كاذبة.
خلال الجلسة، استمعت المحكمة إلى المتهم “العربي.ط”، وهو منعش عقاري، الذي واجهه القاضي بتفريغ صوتي لمكالمات هاتفية مسجلة بأوامر قضائية، تضمنت حوارات بينه وبين موظفي شرطة، من بينهم “نصر الدين.س” و”خالد.ح”. رغم ذلك، أنكر المتهم في البداية معرفته بالسليماني، قبل أن يعود ليقر بإمكانية وجود تعامل سابق بينهما بحكم عمله، لكنه أكد أنه لا يتذكر الاسم، نافياً أي علاقة تربطه بالشرطي “خالد.ح”.
وأوضح “العربي.ط” أنه يمتلك شركة تعمل في مجال العقارات في كل من وجدة وشمال إسبانيا، ولديه عقود مع مستثمرين لتشييد تجزئات سكنية، مضيفاً أنه دخل مجال الفلاحة رفقة والده، وأن هذه الأنشطة تدر عليهم أرباحاً متفاوتة سنوياً.
كما استمعت المحكمة إلى المتهم إسماعيل لمعلم، الملقب بـ”ولد الريفية”، الذي نفى بدوره أي تورط في عمليات تهريب أو تصدير المخدرات. وعند سؤاله عن علاقته بالمتهم المالي “إسكوبار الصحراء”، أجاب بأنه قام ببيع شقة له في مدينة المحمدية عام 2013 بقيمة 89 مليون سنتيم، وليس 107 ملايين كما يُروج، مؤكداً أنه لم يلتقِ به إلا مرة واحدة عند الموثقة خلال إجراءات البيع.
ورغم مواجهته باعترافات المتهم المالي، الذي أقرّ بحدوث عمليات تهريب لمخدر الشيرا عبر مناطق الراشيدية والريش وراس الخنفرة، وذكر اسم بعيوي كأحد المتورطين في نقل 200 طن من المخدرات بسيارة رباعية الدفع إلى حدود الجزائر، إلا أن لمعلم أنكر جميع الاتهامات، معتبراً أن هذا الاتهام “غير معقول”.
وتطرّق القاضي خلال الجلسة إلى واقعة إيداع مبلغ يفوق 500 مليون سنتيم باسم زوجة المالي الأوكرانية، مستنداً إلى تسجيلات كاميرات المراقبة وشهادة مدير الوكالة البنكية، لكن المتهم نفى كلياً هذه الواقعة، مطالباً بمواجهة هذا الاتهام مع مدير الوكالة البنكية أو من خلال كاميرات المراقبة.
كما عرض القاضي على المتهم وثائق تكشف تفاصيل حساباته البنكية، مشيراً إلى أن إجمالي المبالغ المودعة بها خلال سنة 2020 بلغ 43.726.120.00 درهماً. غير أن المتهم قلّل من أهمية هذه الأرقام، معتبراً أنها تظل عادية بالنظر إلى طبيعة نشاطه كمنعش عقاري راكم سنوات من العمل في المجال، مشدداً على أن هذه الأموال تُستخدم في تغطية التزامات مهنية وأداء الضرائب المستحقة.
واستمعت المحكمة أيضاً إلى المتهم “فؤاد.ي” الذي قدم تفاصيل مثيرة حول بيع شقتين في مشروع السعيدية الساحلي. وأوضح فؤاد أنه كان مجرد وسيط في عملية البيع، وأن سعيد الناصري هو من كلفه بهذه المهمة، رغم أن الشقتين لم تكونا مسجلتين باسمه، بل باسم المواطن المالي “إسكوبار الصحراء”.
وذكر فؤاد أنه التقى بالحاج بن إبراهيم لأول مرة في عام 2013 بتقديم من عبد النبي بعيوي، وأن الناصري طلب منه التواصل مع المشترين المحتملين، “عبد المولى.ع” و”عبد الصمد.ع”. وبعد الاتفاق على الثمن، تم تحديد موعد لتوثيق عقد البيع في مكتب موثقة، إلا أن الناصري لم يحضر عملية التوثيق، وبدلاً منه، وجد فؤاد في المكتب المواطن المالي الذي كان مالك الشقتين الأصلي، بالإضافة إلى توفيق زنطار وشخص آخر غير معروف.
وأكد فؤاد أنه تسلم مبلغ 650 ألف درهم من عملية البيع، وقام بتحويله إلى الناصري، إضافة إلى مبلغ 20 ألف درهم سلمها لمساعده توفيق زنطار. وأوضح أن الناصري برر تكليفه ببيع الشقتين بوجود معاملات سابقة بينه وبين مالك الشقتين الأصلي، مما كان يمنحه الحق في التصرف في عملية البيع والحصول على قيمة الشقتين.
وفي تطور آخر، استند القاضي إلى شهادة شخص يدعى “غيزاوي”، الذي أفاد بأن سعيد الناصري كان له دور حاسم في عمليات التهريب الدولي للمخدرات، خاصة في الجوانب “اللوجستية” المتعلقة بنقل عائدات المخدرات داخل المغرب، وأن إسماعيل كان من بين شركاء الناصري في عمليات نقل المخدرات، إلى جانب عبد النبي بعيوي، والعربي، وعلال، وبلمير، و”عبد الرحيم.ب”.
كما كشفت وثائق قضائية عن اعترافات “إسكوبار”، الذي أكد معرفته بالمتهم لمعلم، وزيارته له في مالي رفقة العربي طيبي، بهدف التفاوض حول تأمين مسار شحنات المخدرات من النيجر إلى ليبيا، لكن لمعلم رفض هذه الادعاءات.
وسط هذه الاتهامات المتبادلة والأدلة المقدمة، تبقى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء أمام مهمة صعبة لكشف الحقيقة في هذه القضية المعقدة التي هزت الرأي العام المغربي، والتي يُنتظر استكمال جلساتها يوم الجمعة المقبل، حيث سيتم الاستماع إلى باقي المتهمين.