أقفلت إدارات وأقسام ومصالح في جماعات ترابية وقطاعات حكومية ومستشفيات أبوابها، أسبوعا قبل العيد، وعلقت عليها يافطة مكتوبة بالبنط العريض “سير حتى بعد العيد ورجع”.
وتحولت العبارة إلى لازمة يرددها موظفون وممرضون وتقنيون وأعوان، وحتى حراس أمن خواص، على نحو ميكانيكي، وأحيانا تطلق الجملة في صيغة أمر موجب للتنفيذ الفوري دون نقاش وجدال “عقيم”، قد تترتب عنه تهمة إهانة موظف عمومي أثناء “التنصل” من القيام بمهامه.
«ونتا سير حتى لمورا العيد، واش ماكتسمعش”، يصرخ الموظف في وجه الرجل المسن الذي يضع وجهه قريبا من شباك حديدي، ملحا على تسلم ملفه الإداري والتوقيع عليه.
يضع المواطن أنامله على فمه في وضعية تسول: “الله يخلي ليك للي عزيز عليك أولدي، شوف ليا هاد الملف، راني جيت شاد الطريق ومازال راجع”.
يغادر الموظف مكتبه، ويغلق الشباك بقطعة كارطون من الداخل، ويسمع صوته متقطعا «هاد البشر، مبقاش كيسمع”.
قرب المستوصف الصغير بالحي الشعبي، يدفع الشاب والده المقعد فوق كرسي متحرك، متحدثا بصوت مرتفع “خليني نهضر الواليد، هادي المرة الثانية للي كيجريو علينا، وكيلوحونا من ورا العيد”.
في الإدارة الجماعية وفي المستشفى والمصلحة المكلفة بتسليم شهادات المطابقة والرخص، والأخرى التي تتسلم طلبات التسجيل والترشيح لا صوت يعلو على “العيد الكبير”، وكل شيء يمكن أن يؤجل إلى أجل غير مسمى، من أجل خروف صردي أملح، ينظر في سواد ويأكل من سواد ويمشي في سواد.
لا وقت للعمل والتوقيع والاستقبال والتشخيص ودراسة الملفات وإنجاز المهام التي لها علاقة بالمرتفقين، في حضرة عيد الأضحى، وهي مناسبة دينية تشل فيها مصالح الناس لعدة أيام قبل موعد الذبح.
يبرمج العيد التوقيت وتنظيم العمل والهيكل الإداري في أغلب الإدارات، إذ لا يعرف بالتحديد عدد الموظفين المكلفين بالمداومة في أوقات الذروة، والآخرين الذين قرروا التوجه إلى أقرب “رحبة” لتفحص الخرفان، والاستقصاء عن ثمنها، أو الفئة الثالثة من الموظفات اللواتي يهمن في الأسواق بحثا عن عدة جديدة من المجامر والأسياخ والشوايات و”المقدات” والأواني البلاستيكية، حيث توضع الشحمة والقسط.
ترتبك الإدارة في العيد، ويصبح الخارج أكثر من الداخل، ويقدم «شراء الحولي ومستلزماته» على قائمة المبررات التي تسمح بالمغادرة في أي وقت يشاء الموظف.
ويوفر المديرون والمسؤولون لمرؤوسيهم، مجالا كبيرا للتسامح قبل أيام من العيد، غالبا ما يكون على حساب المرتفقين الذين بدؤوا يتأقلمون، مع مرور السنوات، مع عادات سيئة، تستفيد منها الإدارة من عطلة غير معلنة، ويرفع فيها عدد من الموظفين شعار “اللي بغا الإدارة العام طويل”.
عن يومية الصباح
شكرا لك أستاذة على هذا الموضوع.. شكرا لبلبريس على نشره وتناوله.. فقط هناك إضافة وربما “توضيح” فهذه الممارسات يبدو أنها أصبحت اللغة والمنهجية الجديدة التي ما فتئت الإدارة ومختلف المرافق من خلال موظفيها و”عسسها” أو ما يسمى sécurité تمارسه على المرتفقين حتى قبل العيد بكثير، ربما أن مناسبة العيد “فضحت” المسألة.. فلو كانت مناسباتية لما تجرء هؤلاء بهكذا “زعامة” في جل المرافق بما فيها البنوك التي لا علاقة لها بالدولة، فقد تمرسوا وألفوا العبث بمصالح الناس وباتوا يبخسون شأن ومشاغل المرتفقين، فيما يسير في اتجاه الحط من الكرامة، وفتح الثغرات ل”تحليل” البقشيش والحلاوة والقهيوة، بعد الجهود المضنية التي تعبت فيها الحكومات والمؤسسات غير الحكومية التي تشتغل على حقوق الإنسان ومحاربة الرشوة.. من فضلكم أن تستمروا في تغطية وتتبع هذا الموضوع فسوف تكتشفون وتكشفون ما يستحق أن يقال عنه مقال صحفي تحقيقي.. برافو مرة أخرى على التغطية والدقة في جلب التفاصيل.. مقال فيه كثير من اليقين