تستعد العاصمة الاقتصادية لاستقبال لحظة تاريخية بارزة، حيث يحل الملك محمد السادس اليوم الأربعاء لتدشين مجموعة من المشاريع البحرية الاستراتيجية التي وصلت كلفتها إلى 830 مليون درهم، وهي خطوة طموحة لإعادة رسم معالم الهيمنة البحرية المغربية على الساحل الأطلسي.
تحمل هذه الزيارة الملكية أبعادا استثنائية تتجاوز الحدود الوطنية لتشمل القارة بأسرها.
المشروع الرئيسي الذي ينتظر التدشين الرسمي هو ورش بناء وإصلاح السفن، والذي يمثل رهاناً جدياً لتحويل المغرب إلى قوة بحرية إقليمية بوزن ثقيل.
هذا المجمع الصناعي الضخم، الذي كلف الوكالة الوطنية للموانئ استثمارا يقارب 830 مليون درهم، جاء نتيجة حسابات دقيقة، وبهدف هدف واضح، يتجلى في الاستفادة من تشبع السوق في المراكز المنافسة القريبة، وعلى رأسها جزر الكناري، وتحويل هذا الوضع إلى ورقة رابحة لتعزيز المكانة المغربية في عالم الصناعات البحرية المتخصصة.
الأرقام المخطط لها تحكي قصة طموح حقيقي. فالورش الجديد سيتعامل مع 22 وحدة سنويا في أحواض الإصلاح، فيما ستدير الرافعات البحرية ذات السعة 450 طن ما بين 400 إلى 700 باخرة كل عام. أما الأرضية الرافعة بقدرة 5000 طن، فستستوعب ستة سفن متوسطة الحجم دفعة واحدة، مما يضع المملكة في مرتبة متقدمة ضمن خريطة الخدمات البحرية العالمية.
البرنامج الملكي لا يتوقف عند ورش السفن وحده، بل يشمل افتتاح ميناء الصيد البحري المطور، بالإضافة إلى المحطة البحرية الموسعة التي باتت مؤهلة لاستقبال العمالقة من السفن.
هذا التنسيق بين المشاريع يكشف عن رؤية استراتيجية محكمة تسعى لجعل الدار البيضاء مركزا بحريا إقليمياً ينافس أعرق المحاور العالمية.
المشهد الذي تعيشه المدينة منذ أيام يعكس ثقل هذه المناسبة. منذ وصول الأمير مولاي الحسن إلى العاصمة الاقتصادية مساء السبت الماضي، دخلت المدينة في حالة تأهب وإعداد مكثف. تزيين الشوارع بالأعلام الوطنية، تقوية الإنارة العامة، وانتشار أمني واسع، كلها إجراءات تهدف لضمان نجاح هذا الحدث المميز.
الحماس الشعبي الذي واجه ولي العهد أثناء مروره بشارع محمد السادس يجسد التطلع الشعبي للحظة التاريخية التي ستشهدها المدينة.
ما يحدث في الدار البيضاء اليوم يحمل رسائل على عدة مستويات. اقتصاديا، تعبر هذه المشاريع عن الرغبة الملكية الصريحة في تنويع روافد الاقتصاد الوطني والتحرر من الاعتماد المفرط على القطاعات التقليدية. الاستثمار في البنية التحتية البحرية يمهد الطريق أمام نمو قطاعات جديدة، من اللوجستيات إلى الصناعات المساعدة.
على الصعيد الجيوسياسي، تقوي هذه الخطوات الموقع الاستراتيجي للمغرب كحلقة وصل بين أوروبا وأفريقيا، وتضعه في خانة المنافس الفعلي للمراكز البحرية العريقة في البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.
مع تدشين هذه المشاريع اليوم، تبدأ الدار البيضاء فصلا جديداً في مسيرتها الاقتصادية، فصل قد يعيد تشكيل هويتها ويحولها من مجرد عاصمة اقتصادية محلية إلى قطب بحري إقليمي مؤثر في المشهد الاقتصادي الأفريقي والمتوسطي.