الذكرى التاسعة لـ "20 فبراير".. من مخاض التحول الديمقراطي إلى حراك مفتوح

تحل اليوم 20 فبراير 2020 الذكرى التاسعة لنشأة حركة "20 فبراير" في المغرب، الحركة الشبابية التي تزامنت مع احتجاجات ما سمي ب"الربيع العربي"، حيث خرج لأول مرة مئات الآلاف من الشباب في جميع ربوع المملكة، متأثرين بنسيم ثورة الياسمين التي أسقطت أوراق زين الدين بنعلي الذابلة من عرش تونس الخضراء.

ميلاد حركة 20 فبراير

بشكل عفوي ودون تعبئة من أي جهة، خرج آلالاف الشباب رافعين شعار التغيير وحناجرهم  تصدح بعبارات الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية، ونظرات أعينهم تمزج بريق الأمل بالإصرار، لافتات تنادي بمحاسبة المفسدين، هكذا كتبت أولى وأقوى فصول ميلاد حركة 20 فبراير، الميلاد الذي تأثر بالأحداث الاقليمية، حيث عرفت مجموعة من الدول العربية التي تعرف نفس الأوضاع الاقتصادية والحقوقية والاجتماعية للمغرب، ففي 14 من يناير 2011، غادر بن علي تونس متوجها الى السعودية، بعد المظاهرات التي عمت تونس احتجاجا على وفاة الشاب محمد البوعزيزي متأثرا بحروقه. وفي 11 من  فبراير عام 2011، تم خلع محمد حسني مبارك من حكم مصر بعد حكم دام 30 عاما ، وذلك بعد ضغط كبير من الشباب المصري الذي اعتصم بميدان التحرير.

وشملت المطالب السياسية للحركة الفصل بين الثروة والسلطة في المناصب الحكومية واستقلال القضاء وحرية الإعلام وإقامة ملكية برلمانية وإجراء انتخابات نزيهة ووضع دستور جديد، كما اتسمت معظم هذه الاحتجاجات والمظاهرات والمطالب التي قادتها الحركة بمشاركة شباب من مختلف المشارب الفكرية والسياسية والإيديولوجية، بطابع مدني وسلمي مسؤول.

9 مارس.. رد الملك على مطالب الحركة

ما هي إلا أسابيع على نشوء الحركة، حتى جاء رد الملك محمد السادس، من خلال خطاب مختلف، حيث أعلن عن مجموعة من الإصلاحات الاجتماعية وعن صياغة دستور جديد، تلتها انتخابات جديدة، أفرزت برلمانا عكس حقيقة الاختيار الشعبي، لأول مرة منذ الاستقلال، حيث أتيحت الفرصة لحزب "العدالة والتنمية" الذي استغل الأوضاع الوطنية والاقليمية.

وكان قادة الحركة من الشباب قد أكدوا في تصاريح إعلامية أن الحركة تعاملت مع الخطاب بشكل ايجابي بالرغم من القراءات المختلفة، إلا أنه تم التراجع عن الوعود اثناء صياغة التعديلات الدستورية وما بعدها. الأمر الذي دفع الحركة إلى تغيير توجهها، وخلق نوعا من الشقاق بين السلطة والحركة. 

 

مكتسبات الحركة الاجتماعية والسياسية 

أهم المكاسب التي حققتها حركة 20 فبراير هي تحريك بركة مياه السياسة الراكدة في البلاد، ثم توحيد جل التيارات السياسية رغم اختلاف مشاربها وإيديولوجياتها، فلأول مرة في تاريخ المغرب ينجح تنظيم في ضم إسلاميين ويساريين وعلمانيين ومحافظين، كما أنها أعادت الاعتبار لثقافة الاحتجاج والحق في الاحتجاج وللشباب كفئة تم تهميشها وتغيبها في الكثير من المحطات.

هذا بالاضافة إلى دستور الوصايا السبع المثمتلة في التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية وترسيخ دولة الحق والمؤسسات وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية وضمان ممارستها ثم الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها، تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين بتقوية دور الأحزاب السياسية، تقوية آليات الحياة العامة، دسترة هيئات الحكامة الجيدة وحقوق الإنسان وحماية الحريات.

 

أفول نجم الحركة سنة تلو الأخرى

حركة "20 فبراير" التي شكلت مرحلة هامة ومفصلية جدا في تاريخ المغرب ما بعد الاستقلال، فقدت بريقها يوما بعد يوم، وسنة تلو الأخرى، ومن أهم الأسباب التي وأدت الحركة بشكل بطيء هو انسحاب هيئات وتيارات سياسية وازنة من صفوفها، وعلى رأسها جماعة العدل والاحسان لأسباب لم توضحها بشكل كبير، كما انسحب منها عدد من شباب الأحزاب المشاركة في الانتخابات، وظهر التراجع جليا في الذكرى الأولى لتأسيس الحركة، إذ كان عدد المحتفين قليلا للغاية، هذا بالإضافة إلى انخراط عدد من شبابها المؤسس في تنظيمات سياسية اعتبرت معادية للأهداف التي قامت الحركة من أجلها.

في كل 20 من شهر فبراير، تحضر روح الحركة الشاحبة في شوارع محدودة لبعض المدن الكبيرة، بثمتيليات تضعف سنة تلو الأخرى، فأبرز وجوهها الشبابية اتخذت مواقع أخرى، ولم يعد هناك وجود قوي للحركة على أرض الواقع، إلا عبر بيانات موسمية.

وفي هذا الصدد، قال الناشط الحقوقي خالد البكاري إن :" هناك عوامل متداخلة تفسر تراجع زخم حركة 20 فبراير في صيغتها التي ظهرت بها سنة 2011, أهمها تراجع مد الانتفاضات الشعبية في عموم منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط بفعل نجاح الثورات المضادة، ولا ننس بأن ظهور الحركة كان ضمن سياق إقليمي مطبوع بهذه الانتفاضات، ثم نجاح النظام في استعادة المبادرة عبر تمرير التعديلات الدستورية، ثم انتخابات 2011 التي عرفت وصول الإسلاميين للحكومة مما خلق انتظارات جديدة عند المواطنين راهنت على المؤسسات الجديدة، قبل أن يتبين لها فشل هذه المراهنة، فضلا عن معطى ذاتي مرتبط بعجز الحركة عن إبداع صيغة تنظيمية تخرجها من الإطار المطلبي نحو التحول لحركة سياسية مهيكلة، تمتلك مشروعا واضحا للتغيير".

وأكد البكاري أنه رغم ذلك "يمكن أن نقول إن مناضلي الحركة استمروا في إبداع حركيات أخرى مطبوعة بالاحتجاج الاجتماعي أكثر من السياسي، وبالمراهنة على المجالي والجهوي اكثر من الوطني، فحراكات الريف وجرادة وزاكورة مثلا عرفت حضورا لافتا لمناضلين قادمين من تجربة 20 فبراير".

ذكريات عالقة بذاكرة نشطاء وقادة الحركة

لم تمحي السنين ذكريات تجربة كبيرة وفريدة، خاضها شباب آمنوا بأن فرصة التغيير لاحت والخروج للشارع للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعيش الكريم رغم المخاكر والتخوف من ردة الفعل التي قوبل بها المحتجون في باقي الدول الأخرى، ففي العديد من الفرص شاركوا من لم يعش ال

وقال خالد البكاري الذي يعتبر من أبرز وجوه الحركة " كان أقوى ذكرى ستظل مطبوعة في ذاكرتي، هي الاحتجاج أمام المقر السابق لمديرية مراقبة التراب الوطني DST بتمارة، لقد كانت هناك تقارير حينذاك تتحدث عن وقوع حالات تعذيب بذلك المقر، لفائدة المخابرات الأمريكية، لذلك كانت تجربة فريدة، إذ كان أول احتجاج أمام مقر تابع للمخابرات".

 

بعد 9 سنوات .. هل يحتاج المغرب لحركة شعبية تلقائية لتسريع وتيرة الإصلاحات؟

عرف المغرب مؤخرا احتجاجات بالعديد من المدن المغربية، تارة على تأزم الأوضاع الاقتصادية وتارة أخرى على تراجع الشأن الحقوقي، وتعالت الأصوات منددة بتراجع الحريات وتزايد التضييق على حرية التعبيير، حيث نظمت عشرات الوقفات الاحتجاجية للتضامن مع معتقلي حراك الريف والجرادة والتنديد بالأحكام "الجائرة" في حق المتابعين.

يرى الناشط الحقوقي خالد البكاري أن الوضع الحالي " بالطبع محتاج لحراك شعبي لاستعادة المبادرة، والدفاع عن المكتسبات، ومقاومة الردة الحقوقية، وفرض التغيير السياسي والمؤسساتي بما يسمح باستنبات ممكنات تحول ديمقراطي حقيقي، وأعتقد أن النظام من مصلحته ان يبادر بانفراج سياسي وحقوقي واجتماعي، خصوصا ان التحولات التي تقع في جوارنا المغاربي، قد تجعل المغرب الذي كان في سنوات سابقة برغم كل النواقص متقدما فيما يخص الحقوق والحريات مقارنة بباقي البلدان المغربية، يصبح متخلفا مقارنة باشقائه".