في حكم قضائي وُصف بالصاعقة، أسدلت محكمة الاستئناف بوجدة مؤخرا الستار على نزاع طويل الأمد حول عقار استراتيجي شاسع في منطقة السعيدية، مؤيدة حكما ابتدائيا يقضي بإنهاء سيطرة عائلة قيادي بارز في أحد أحزاب الأغلبية على هذا العقار. وقد قضى الحكم النهائي بالتشطيب على عقد البيع الذي استندت إليه العائلة من الرسم العقاري، وإعادة تسجيل إدارة الأملاك المخزنية كمالكة شرعية له، مع الإذن للمحافظ العقاري باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ القرار.
تأتي هذه القضية، التي استمرت فصولها القضائية لنحو 27 عاما، لتسلط الضوء على الجهود التي تبذلها مديرية الأملاك المخزنية في إطار حملة وطنية واسعة لاستعادة الأراضي التابعة للدولة والتي تم الاستيلاء عليها بطرق ملتوية، خصوصا من قبل شخصيات ذات نفوذ. وتعتمد المديرية في حملتها هذه على تفعيل المساطر القانونية والقضائية لتحصين الملك العام من الترامي والسطو والتملك غير المشروع.
تعود جذور القضية إلى عقار يحمل الرسم العقاري O/4698 بجماعة السعيدية، وهو من ضمن الأراضي الفلاحية التي استرجعتها الدولة المغربية من الأجانب بموجب ظهير 2 مارس 1973. إلا أن هذا العقار، وبدلا من أن يعود للدولة، تم تسجيل عقد بيع بشأنه يعود لعام 1966 بين مالكه الفرنسي الأصلي وأحد الخواص المغاربة، والذي تمكن لاحقا في ثمانينات القرن الماضي من إنشاء رسم عقاري باسمه بعد شطب اسم الدولة. وبعد وفاة هذا المشتري، تمكن ورثته، ومن ضمنهم أفراد عائلة القيادي الحزبي المذكور، من تسجيل أنفسهم كورثة في الرسم العقاري.
لم تستسلم إدارة الأملاك المخزنية، وبدأت معركتها القضائية الطويلة منذ عام 1998، حيث رفعت دعوى أمام المحكمة الابتدائية ببركان تهدف إلى إبطال عقد البيع الأصلي وإعادة تسجيل الدولة كمالكة. وبعد سنوات من التداول ودراسة الوثائق، أصدرت ابتدائية بركان حكما لصالح الدولة في عام 2010.
إلا أن الورثة استأنفوا الحكم أمام استئنافية وجدة. وخلال مرحلة الاستئناف، تم إيقاف البت في القضية وإحالتها على المحكمة الإدارية للتحقق من شرعية قرار الاسترجاع الأصلي بموجب ظهير 1973، وهو المسار الذي انتهى بصدور حكم نهائي يؤكد شرعية قرار الإدارة. بعد ذلك، استأنفت محكمة الاستئناف النظر في جوهر القضية، لتصدر حكمها النهائي مؤخرا، مؤيدة الحكم الابتدائي ومكرسة حق الدولة في استعادة عقارها الاستراتيجي وإنهاء سنوات من الاحتلال غير المشروع.