"محكومون بالإعدام مع وقف التنفيذ"..الإصابة بـ"الإيدز" بين التعايش والانتقام

"كأنني محكومة بالإعدام وأنتظر التنفيذ "، بهذه العبارة تصف سميرة معاناتها مع مرض الإيدز، التي علمت إصابتها به قبل قرابة سنتين.

 

الإيدز من "الطريطوار"

 

 

سميرة (إسم مستعار)، أم لإبنتين، وجدت نفسها في مواجهة أزمة الحياة، بعد تخلي زوجها عن الأسرة قبل أكثر من عشرين سنة، مستعينة بـ"الطريطوار" من أجل كسب لقمة العيش، إلا أن الأقدار جعلتها تلتقط مرض "الإيدز" من أحد زبنائها.

 

بملامح يختلط فيها الحزن بالأمل، المتعايشة مع الفيروس، تروي قصتها أنه "بعد تخلي زوجها عن أسرته، حاولت البحث عن شغل "حلال" من خلال المقاهي والشركات إلا أنها وجدت الواقع الصادم، والمتمثل في الأساس بالجنس، مقابل فرصة عمل"، واصفة ما وجدته بـ"المخزي" "يلا بغيتي تخدم فالقهوة خاص يدوز عليك الشارف ولا يلا بغيتي تخدم فشركة فراه خاصك تبداي بالعساس وهي غادا ..".

 

 

 

عقدان من الزمن، مدة خروج سميرة لممارسة "الدعارة"، تحكي عن أجزاء منها بـ"أسف"، "في عديد المراحل من الحياة ما بعد تخلي الزوج عن أسرته، "كنت أشتغل صباحا في أحد المقاهي، وليلا كنت أتجه للشارع من أجل اصطياد أحد الزبناء، بمقابل مادي بين المئتي والستمئة درهم"، مردفة "لم يكن أحد من الزبناء يرتدي الواقي الذكري، وهو الأمر الذي لا أطلبه منه أنا كذلك " .

 

"الانتقام"

 

"الانتقام"، هو فكرة تتبادر لذهن العديد، حين اكتشافهم الإصابة بفقدان المناعة المكتسبة، إلا أن لسميرة رأي اخر، فهي حريصة على التعايش مع الداء، وضمان استمرار حياتها الجنسية مع رفيقها، حيث تشدد على الأخير ارتداء الواقي الذكري عند كل ممارسة جنسية، وهو الأمر الذي اعتاد عنهم لتعود عادة لدى "الكوبل"، الذي أصيب أحد أطرافه بالفيروس .

 

"لم أفكر يوما في الانتقام"، هكذا تجيب إحدى مستفيدات "أوبالس فاس"، عن مدى رغبتها في الثأر بعد إصابتها، مؤكدة أنها تحاول "ضمان مستقبل أفضل لإبنتيها، والعمل على مشروع مصغر يخرجها من رثابة المنزل وجدرانه، أما الانتقام فهو ليس طريح أفكاري بشكل نهائي".

 

 

 

 

ولم تنفي المتحدثة، فكرة الانتقام لدى العديد من المصابات، مستدركة "اليوم في المنظمة الإفريقية للسيدا، فأنا أحضى باستشارات نفسية، وتحفيزات مادية في عديد المناسبات، ودعم معنوي، يجعلني بمنآى عن فكرة الثأر من الإصابة"، مضيفة "شريكي الجنسي، قام هو الاخر بتحليلة هنا بمقر المنظمة بمدينة فاس، من أجل التأكد من خلوه من الإيدز".

 

"الهاجس الانتقامي" يتعالج بـ"الاستشارات النفسية"

 

من جانبها، تؤكد المسؤولة عن مشروع المهاجرين والحاملين للإيدز بـ"أوبالس"، فوزية منير، أن الهاجس الانتقامي لدى المصابين بالإيدز يكون حاضرا بقوة، مرفوقا كذلك بالاكتئاب وغيرها من الأمور النفسية، التي يتخبط فيها المصاب أو المصابة بفقدان المناعة المكتسبة"، مستدركة في تصريحها أنه بعد الالتحاق بالمنظمة، "أن الانتقام يتحول بشكل متدرج إلى توعية، عبر مشاركة المصابين والمصابات في حملات من أجل حث العاملات في الجنس، والمثليين جنسيا الذين يعملون في هذا الإطار، على ارتداء الواقي مع شركائهم وشركائهن جنسيا ".

 

المسؤولة عن المشروع، تؤكد أن المواكبة النفسية، لهذه الفئة، تتخللها صعوبات ولكن بالجلوس على طاولة الاستشارات النفسية، يبدأ هاجس الانتقام وكذلك الاكتئاب، في التقلص إلى أن يندثر بشكل نهائي، وهو الأمر الذي بات واقعا بالنسبة لكل المستفيدات والمستفيدين المصابين والمصابات بالإيدز، حيث أن "الانتقام" لم يعد موجودا في ذاكرتهـ(ن/م) .

 

 

 

"التعايش مع المرض والعمل على كبح انتشار الداء لدى الفئات الأكثر عرضة، بات فكرة قوية لدى كل مصاب ومصابة، بفقدان المناعة المكتسبة، منتمي للمنظمة"، هكذا علقت فوزية ، على كيفية التعايش وكذلك العمل على التوعية بالنسبة للحاملين لداء "الإيدز"، حيث بات المصابون والمصابات يتوجهون إلى عاملات الجنس والعاملين في الأخير، من أجل توعيتهم وحث هم على استعمال الواقي، كسلاح لمواجهة الإيدز والوقاية منه .

 

المثليون "ارتفاع متزايد" للمصابين

 

وفي الوقت الذي تظهر فيه الدراسات الحديثة أمورا إيجابية بشأن تناقص عدد الوفيات من بين المصابين بمرض الإيدز بسبب تناولهم لأدوية فعالة عبر العالم، إلا أنه مازال الارتفاع متواصلا وسط المثليين جنسيا، حسب الدراسة، التي أعدها باحثون تحت إشراف كريس بيرر من كلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة في مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند الأمريكية .

 

تواصلنا مع مجموعة من المثليين، المستفيدين من المنظمة الإفريقية للسيدا،حيث أكدوا  في تصريحاتهم أن دافع الانتقام، موجود بشدة وسط هذه الفئة المصابة بفقدان المناعة المكتسبة .

 

 

هشام (إسم مستعار)، يروي تفاصيل صادمة، تتعلق بالمحاولة العمدية لأحد الأشخاص بأكادير نقل الفيروس لمثليين اخرين، عبر حفلات جنسية يقيمها في منزله، بمقابل مادي قد يصل لخمسة آلاف درهم، وذلك بدافع انتقامي، متابعا "الطمع في المتعة الجنسية والمقابل المادي المغري يدفع العديد من الأشخاص للتوجه هناك" .

 

"مع سبق الإصرار"

 

مثلي اخر، عمله الأساسي، هو ذلك اللصيق بـ"طريطوار"، يؤكد أنه لا يمكنه منع الزبناء من ممارسة الجنس معه، بسبب الواقي الذكري، بالرغم من معرفته أنه مصاب بفقدان المناعة المكتسبة، قائلا "أنا هذا هو رزقي ومايمكنش نجري على "الفيكتيم" (الزبون) بسبب "الجلدة" (الواقي الذكري)"، مشيرا إلى أنه ينكر الإصابة أمام زبونه، مخافة أن يفقد الأخير رغبته في ممارسة الجنس معه وبالتالي فقدان المقابل المالي.

 

 

 

المتحدث، تجاوز كل هذا مشيرا إلى أن هناك مجموعة من الأشخاص، يتعمدون ثقب الواقي الذكري، من أجل نقل الفيروس للزبون، وذلك بدافع انتقامي، باعتباره أخد المرض من "المهنة" وهاهو ينقلها بنفس الطريقة التي أخدها .

 

غياب نص قانوني

 

وأمام هذه التصريحات الصادمة، يطرح التساؤل، عن التأويل القانوني للمسألة، في غياب نص صريح في القانون الجنائي المغربي يجرم نقل المرض، تبقى القوانين المقارنة، والاجتهادات القضائية الحل الأبرز، لتقريب مدى الجريمة المقترفة من قبل ناقلي الفيروس بشكل متعمد .

 

 

القانون الفرنسي يتجه لـ"التسميم"

 

من جانبه يرى الفقه الفرنسي أن نقل العدوى إلى الغير عن قصد يقع تحت طائلة جناية التسميم، ويدعمون قولهم بأن نقل الفيروس
عمدا تتوافر به كافة شروط جناية التسميم المادية والمعنوية التي تنص عليها المادة 310 من قانون العقوبات الفرنسي، حيث تنص هذه المادة على أنه يعتبر تسميما كل اعتداء على حياة شخص بتأثير جواهر من شأنها إحداث الموت عاجلا أم آجلا أيا كانت الطريقة اليتي استعملت بها أو أعطيت بها هذه الجواهر وأيا كانت النتائج التي تترتب عن ذلك.

 

والعلة من تشديد العقوبة في حالة استخدام مادة السم بالقتل، تكون كذلك متوافرة في حالة التعمد بنقل العدوى، وذلك من حيث سهولة القيام به، وإنه يمكن أن يتم بصورة خفية حيث لا يستطيع المجني عليه أن يدافع عن نفسه، وأن هذا الأسلوب “أي التعمد بنقل الفيروس” يتصف بالغدر من شخص يثق به، بحيث يصعب إثباته.

 

لكن هذا الجانب من الفقه قد تناسى فعلا أن محكمة النقض الفرنسية قد اعتبرت تسميما كل اعتداء على حياة شخص ليس فقط باستخدام مواد سامة، ولكن أيضا باستخدام مواد أخرى يمكن أن تؤدي إلى الموت، كما قضت بذلك محكمة النقض الفرنسية بالإدانة عن جريمة التسميم في حال تطعيم شخص بفيروس التيفود.

 

أما القصد الجنائي فهو متوافر أيضا، لأن التسميم لا يكون إلا عمديا، ويتحقق ذلك إذا كان الفاعل يعلم أنه مصاب أو أنه حامل للفيروس، ثم يتصل جنسيا بالغير عن علم وإرادة بقصد نقل العدوى إليه.

 

الفصل 398

 

أما بالنسبة لمشرعنا المغربي فقد اعتبر جريمة التسميم من جرائم الخطر، وليس من جرام النتيجة، حيث نص في فصله 398 من القانون الجنائي المغربي، على أنه من اعتدى على حياة شخص بواسطة مواد من شأنها أن تسبب الموت عاجلا أم آجلا، أيا كانت الطريقة التي استعملت، أو أعطيت بها تلك المواد، وأيا كانت النتيجة، يعد مرتكبا لجريمة التسميم ويعاقب بالإعدام، إذ لا شك أن العلة في تشديد العقوبة هي خطورة الجاني، وغالبا ما تكون هذه المخادعة استغلالا ماكرا لقرابة أو صداقة تجمع بينهما، وذلك وفقا للتكييف القانوني لفعل حامل الفيروس بنقل العدوى للغير عمدا، الذي قام به حمزة شكلي، الأستاذ الباحث في العدالة الجنائية .

 

التوعية بـ"نفس الفئة"

 

وأمام هذا الانتشار وأمام هذا الانتشار المتسارع  للمرض، والدافع الانتقامي لعديد المصابين، يبقى الحل الأمثل الذي نهجتهم مجموعة من الهيئات المهتمة، وهو التوعية وكذلك العمل من أجل الحد من ارتفاع عدد الإصابات بالداء .

 

من جانبها منظمة "أوبالس"، اتجهت لطريقة التوعية الصادرة من نفس الفئة، حيث أنها باتت تعتمد على فئة من المثليين من أجل توعية المثليين أنفسهم بوجوب ارتداء الواقي في الممارسة الجنسية، وكذلك بالنسبة لعاملات الجنس والمهاجرين من دول جنوب الصحراء .

 

 

 

إحدى عاملات الجنس التي تشارك في الحملة التوعوية، تكشف تروي عملها التطوعي، قائلة "فعلا العمل ليس بالسهل، ولاسيما أننا عاملات للجنس، ولكن التوعية باتت جزء أساسي من العمل اليومي لنا" .

 

المتحدثة استدركت، "نواجه فعلا مشاكل عديدة في كيفية التواصل وإقناع عاملات الجنس، ولاسيما لصعوبة إقناع الزبناء بارتداء "الكابوط""، متابعة "قد نتجه لـ"العمارية" (سيارة الشرطة) وذلك في غياب حماية قانونية لنا، ولاسيما أننا نعطي الواقي الذكري للعاملات في الجنس، وهو ما يجعل شبهة "التحريض على الفساد" قريبة منا".

 

21 ألف و 500 مصاب

 

 

هذا وكشفت معطيات الجمعية المغربية لمحاربة السيدا، أن عدد المصابين بالإيدز 21 ألف و 500 شخص، وأن هناك 6000 لا يعرفون حقيقة حملهم للمرض.

 

وتشير نفس المعطيات التي وفرتها الجمعية، أنه تم تسجيل هذه السنة 850 إصابة جديدة بفيروس نقص المناعة البشرية، 34 بالمائة منهم تتراوح أعمراهم بين 15 و 24 سنة .

 

 

المصدر نفسه، يثبت تسجيل 300 حالة وفاة بسبب الداء العالمي، سنة 2020 .

 

ووفق المصدر ذاته، فإن 65 في المائة من الإصابات المسجلة بالسيدا في المغرب، تسجل في ثلاث جهات، أولها جهة سوس ماسة (25٪)، مراكش آسفي (21٪) والدار البيضاء-سطات (20٪).