في خضم التوتر المتصاعد بين باريس والجزائر والذي تجلى في رسالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورد وزارة الخارجية الجزائرية، يقدم التحليل الأكاديمي رؤية أعمق تتجاوز لغة الدبلوماسية الرسمية لتكشف عن طبيعة الأزمة الحقيقية.
فبعيدا عن المواجهة الظاهرية حول حقوق المواطنين والاتفاقيات الثنائية، تكمن أزمة بنيوية وتاريخية تحتاج إلى قراءة دقيقة لفهم أبعادها وتداعياتها المستقبلية.
في هذا الإطار، يرى المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الاول بوجدة خالد الشيات، أن ما يجري حاليا هو نتيجة حتمية لفشل الطرفين في بناء علاقة متوازنة، ويصف الوضع بوجود “محاولة لضبط العلاقات من الطرفين إلى إيقاعي، أحدهما ضد الآخر”، مؤكدا أنه “ليس هناك لحد الآن ما يوحي بأن الطرفين يريدان أن تعود علاقتهما بطريقة يمكن من خلالها ضمان مصالح كل طرف”.
ويقول الشيات إن ’’هذا التشخيص يضع الأزمة في سياق صراع إرادات حيث يسعى كل طرف لفرض رؤيته الخاصة لطبيعة العلاقة’’.
ويشرح الشيات في تصريحه لبلبريس، أن الأزمة ممتدة من الناحية التصورية، حيث أن “فرنسا، التي تريد أن تكون الجزائر يعني في إطار مجالها وتدخلها وتدخل عادي” قد فشلت في تحقيق هذا الهدف.
ويوضح أن “درجة أو قدر التنازل الذي يمكن أن تقدمه فرنسا من الناحية الحضارية التاريخية والثقافية كان ربما كبيرا، ولكن المزايا التي ترقبتها فرنسا كانت قليلة او ضعيفة”.
ويضيف بعدا استراتيجيا لهذا الفشل معتبرا أن هناك “نوع من الرهان على حصان خاسر في منطقة شمال أفريقيا الذي يبدو تقريبا منطقة محاصرة للنفوذ الجزائري”.
في المقابل، يحلل الشيات المطالب الجزائرية من هذه العلاقة، مشيرا إلى أنها تتجاوز الندّية لتصل إلى مستوى محدد من الهيمنة في القرار، حيث “تريد الجزائر من علاقتها من فرنسا أن تكون بنوع من الأمر والتبعية في بعض القرارات وخاصة تريد الجزائر نوعا من الإرضاء في مجموعة من القرارات، بما فيها قضية الصحراء المغربية”.
ويخلص المحلل السياسي إلى أن جوهر المشكلة يكمن في سوء تقدير متبادل وفجوة في الفهم، حيث “هناك نوع من صعوبة الفهم على مستوى تقدير كل طرف لعلاقته مع الطرف الآخر”.
ويرى أن هذا القصور يؤثر بشكل خاص على الجانب الجزائري، معتبرا أنه “ليس هناك قدرة للنظام الجزائري على قراءة التحولات العميقة التي حدثت والتي تحدث في فرنسا والتي تحدث في أوروبا عموما، والتي من خلالها يمكن البناء على علاقات طبيعية بين الجانبين”.
ويؤكد الشيات أن هذا الوضع “سيؤثر، حتى في المستقبل المتوسط والبعيد على هذه العلاقات”، مما ينذر بأن هذه الأزمة ليست سحابة صيف عابرة، بل مؤشر على مرحلة طويلة من العلاقات المعقدة والمتوترة.