في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، وضع الملك محمد السادس إطارا واضحا للنجاحات الدبلوماسية التي حسمت مسار قضية الصحراء المغربية، معبرا عن اعتزاز المملكة بالدعم الدولي الذي لا يترك مجالا للشك حول صواب وواقعية المقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي في الصحراء.
وقد ورد في الخطاب: “نعتز بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية. وفي هذا الإطار، نتقدم بعبارات الشكر والتقدير للمملكة المتحدة الصديقة، وجمهورية البرتغال، على موقفهما البناء، الذي يساند مبادرة الحكم الذاتي، في إطار سيادة المغرب على صحرائه”.
هذا الزخم الذي تضمنه الخطاب الملكي ليس مجرد تطور دبلوماسي، بل هو تتويج منطقي لرؤية استباقية جسدتها “المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا”، والتي قدمت للأمم المتحدة رسميا في أبريل 2007.

وكما يوضح المحلل السياسي، محمد شقير، فإن هذه المبادرة جاءت لتحريك الملف بعد فترة من الجمود السياسي الذي تبع تعثر إجراءات، نظرا لتعقد التركيبة القبلية الصحراوية وعدم اتفاق لجنة الشيوخ التي أسندت لها مهمة إحصاء المصوتين أدخل ملف الصحراء في جمود سياسي، لذا فبعد تولي الملك محمد السادس الحكم عمل على تحريك هذا الملف من خلال اقترح مبادرة الحكم الذاتي كصيغة من صيغ تقرير المصير وتم طرحها للنقاش أمام المنتظم الدولي.
ويضيف شقير في تصريح خص به بلبريس أنه ’’في الوقت الذي بقي فيه البوليساريو متشبثا بالاستفتاء، قدم المغرب حلا سياسيا بديلا ودعمه بتنزيل مشاريع تنموية كبرى في الأقاليم الصحراوية تهم البنيات التحتية وتحسين المستوى المعيشي للساكنة.’’
ولفت شقير أنه مع مرور الوقت بدأت الكثير من الدول في ظل التحولات الجيوستراتيجية تقتنع بجدية وواقعية هذا الحل حيث تضمنه عدة تقارير لمجلس الأمن التركيز على أهمية هذا الحل كحل واقعي وقابل للتنفيذ.
ولعل مما زاد من تأكيد أهمية هذه المبادرة، وفق المحلل السياسي، ذاته، هو التداعيات السلبية للحل الانفصالي في دول كجنوب السودان التي انفصلت عن السودان دون أن تتوفر على الشروط الضرورية لاقامة دولة مستقلة.
“ولعل هذا ما دفع بالولايات المتحدة كدولة صاحبة القلم وتتوفر على حق الفيتو من الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، يسترسل المتحدث “مما دفع بدول كإسبانيا والبرتغال وبريطانيا إلى مساندة مبادرة الحكم الذاتي الشيء الذي ألمح اليه العاهل المغربي في خطاب عيد العرش الأخير.’’
المبادرة المغربية
تتميز المبادرة المغربية التي اطلعت عليها بلبريس، بتوازنها الدقيق بين ضمان سيادة الدولة ووحدتها الترابية، ومنح جهة الصحراء صلاحيات واسعة لتدبير شؤونها بنفسها.
فمن جهة، يتولى سكان الصحراء بشكل ديمقراطي إدارة شؤونهم عبر هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية خاصة بهم. ومن جهة أخرى، تحتفظ
الدولة المغربية باختصاصاتها السيادية الحصرية التي لا يمكن التفريط فيها، وتشمل الدفاع والعلاقات الخارجية والمقومات الدستورية والدينية للملك كأمير للمؤمنين إضافة إلى مقومات السیادة، سیما العلم والنشید الوطني والعملة.
هذا التقسيم الواضح يضمن أن الحكم الذاتي هو أقصى ما يمكن تقديمه في إطار الدولة الوطنية، وهو حل يحفظ كرامة الجميع.
واقعية المبادرة المغربية والدعم الدولي
إن الدعم الدولي المتزايد المشار إليه في الخطاب هو شهادة عملية على أن العالم قد أدرك واقعية المبادرة المغربية كحل وحيد ممكن.
من جانبه يؤكد المحلل السياسي عتيق السعيد في حديث مع بلبريس، أن المبادرة “تحظى بإجماع دولي متزايد، سواء من حيث مشروعيتها أو من حيث واقعيتها وقابليتها للتنزيل كحل دائم”.
وقد أفرزت هذه الدينامية تحولات عميقة في المواقف الدولية، أبرزها الاعتراف المتنامي بعدالة الموقف المغربي ومصداقية المبادرة باعتبارها الإطار الوحيد الكفيل بحل هذا النزاع المفتعل.
وبحسب السعيد، يتجلى هذا التحول في تفاعل المجتمع الدولي، حيث أضحت مواقف الدعم الصريح تعبر عنها بوضوح الدول الكبرى، ففي خطوة تاريخية، وصفت الولايات المتحدة المبادرة بأنها “جادة وذات مصداقية وواقعية”، وتوجت ذلك بالاعتراف الرسمي بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه في 2020، وهو ما يعتبره عتيق السعيد قرارا ذا قوة قانونية وسياسية ثابتة، عززته موجة افتتاح قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة.
هذا الموقف الأمريكي شكل، بحسب ما أشار اليه شقير آنفا، نقطة تحول دفعت دولا أخرى وازنة إلى الاقتناع بجدية الحل المغربي، خاصة في ظل التحولات الجيوستراتيجية والتداعيات السلبية للحلول الانفصالية في مناطق أخرى من العالم.
وهكذا، توالت المواقف الأوروبية الحاسمة، بدءا من اعتراف ألمانيا بمساهمة المغرب المهمة، مرورا بالتحول التاريخي لموقف إسبانيا التي اعتبرت المبادرة المغربية “الأساس الأكثر جدية وواقعية وذات مصداقية لحل هذا النزاع”، ثم انضمت دول وازنة مثل البرتغال وبريطانيا، وصولا إلى الموقف الفرنسي الذي وصف المبادرة بأنها “الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي”، وهو ما رفع الدعم إلى مستوى التبني الكامل للرؤية المغربية.
بناء على كل ما تقدم، يتأكد أن هناك توافقا وإجماعا دوليا متناميا حول مبادرة الحكم الذاتي.
فالمبادرة لم تعد مجرد مقترح ضمن مقترحات أخرى، بل أصبحت هي خريطة الطريق الدولية لحل نهائي ومستدام يضمن الاستقرار والتنمية في منطقة شمال إفريقيا والساحل بأكملها، وقد رسخت موقعها في صلب المسار الأممي باعتبارها خيارا عقلانيا يحظى بالمصداقية والثقة لدى دول العالم.